مدونة عبد الحميد بغوره


الله يحب أن يقترف عباده الخطأ

عبد الحميد بغوره | ABDELHAMID BEGHOURA


06/12/2022 القراءات: 470  


:إن الحسنات يذهبن السيئات ذلك" ذكرى للذاكرين"

شاء الله بتقديره وتدبيره الحكيم أن يجعل على الأرض من يخلفها من بعد فساد فيها كبير من فعل أول من وجد على الأرض وسكنها ألا وهم خلق الجن الذين جعلوا يعيثون فيها قتلا وخرابا قال تعالى" قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء"، فخلق الله آدم وذريته وأسكنهم الأرض من بعدهم فصار خلق كتير عليها يجمع بينهم ويفرق بقدر ما تعارفوا واختلفوا، فالله لم يستخلف أقواما لا يخطئون بل قذف في أنفسم بالتساوي قوى الفجور والتقوى "فألهمها فجورها وتقواها"، ليجعل داخلهم نظاما تدافعيا متصارع في نفس الاتجاه بقوى تتغير بحسب التأثير الخارجي لتظهر في شكل سيئة أو حسنة، وهذا الفعل منه سبحانه وتعالى جاء من أجل إقامة شيء واحد وهو ضمان استمرارية الحركة بالشكل المطلوب فالحسن من الفعل والقبيح منه هو الذي يدفع بالناس للحركة، لكن قد يعارض بفعل النظر العقلي فيقال إنا إذا مسيرون ولا نملك أفعالنا فلم نحاسب عليها، فيجاب على هذا العارض العقلي فيقال:
-إذا ثبت أن الله هو الخالق الأوحد لكل شيء، فهو حر في أن يخلق ما يشاء وكيفما يشاء "لا يسأل عما يفعل وهم يسألون".
- الله علمه أزلي فهو عارف بفعل كل بشر سيئه وحسنه قبل حتى أن يظهر للوجود، فإذا ظهر كان ينسب لفاعله لا لعالمه-وقد يقال إذا علم الله حدوثه فلم خلقه وترك خلقه يأتون فاجره، يجاب على ذلك من وجهين:
الأول أنك تسأل موجد الأشياء من عدم وهذا الإيجاد وكيفيته لا يحيط به العقل علما لأنه كأن الآلة التي صنع البشر بيده تقول لم صنعتني لولا جعلتني بهذا الوصف وبهذا القدر من الجهد فهي تطفق تسأله كل حسن وتنفي كل قبيح وهذا السؤال منها لايتقبله العقل لأنه مستحيل في حقها
الثاني أن الله حسب كل صغيرة وكبيرة "وكل شيء خلقناه بقدر" فخلق الفجور له مقابل من أسماء الله وصفاته تسع مجموع أخطاء البشر ولا نتقص من اسم الرحمة أو وصف الرحيم منه شيئا - وهذه الحركة تتحق سنة التدافع .

إن حسنى الإنسان من عدمها لا تأثر في ذات الله شيئا لا بزيادة ولا بنقصان ولو كانوا على أتقى أو أفجر قلب رجل واحد، فخلقه لهذين الفعلين جاء لتحقيق مصلحة الخالق نفسها فهو بخطيئته محتاج إلى مغفرة الله ورحمته التي تغذي روحه فتسكن فلا يصيبها من أمراض النفس والقلوب ما يصيبها ، ولا يخفى على أحد من فعل الخطيئة في النفس من إلقاء اللوم والعتاب وفي القلب من إفراغه من شحناته الإيمانية حتى إذا تواترت عليه الخطايا أقفلته فصار غلفا بل يتعدى الأمر إلى الحرمان من الشعور فيصبح المقترف لا يجد لذة لأي صنيع يعمله فإن أكل أو شرب لا يستصيغ شيئا وإن سافر لم يجد يفرج همه وإن استزاد في ماله لا يفرح يعيش حياة ضيقة، وهو ما وصفه الله في قوله" ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكة".
الله من رحمته ورأفته بعباده قال لو أنكم لا تخطئون لخلقت خلقا يخطئون فيستغفرونني فأغفر لهم كما جاء في معنى حديث النبي صلى الله عليه وسلم، فالله يحب العبد الخطاء كثير الأوبة إليه، ولا ينبغي أن يتصور أن فعل الخطايا مباح والمغفرة منه مؤكدة لان الإنسان غير ضامن حياته كما قلبه فالمتعمد القاصد لانتهاك حرمة الشرع يطبع على قلبه فلا يستطيع التوبة كالمدمن على الخمر لا يستطيع الفطام، فهذا ييسر للعسرى لا يجد سبيلا للانفكاك ولا للخلاص، لكن الإنسان يوقع من الفجور الأفعال الكثيرة فيمحها الله بنقيضها من الحسنات فتنقلب كأن لم تكن بعد أن كانت جبالا من الأوزار، فهذه الرحمة من الله عبرة للذين يذكرون الله ولا ينسونه.
والخاتمة الحسنى من الكلام أن فاعل السيئات فاعل ذاته لها لأنه مودوع فيه ولا مناص منها ورحمة الله تسع كل أخطائه فإن أتبع السيئة الحسنة محتها، وإن أصر على خطاياه طبع على قلبه فلا ينفطم.


الخلق، الجن، الخطأ، العفو. المغفرة، التدافع، اتجاه، أفعال، أمراض النفس، الفطام، العقل، اللذة ،


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع