مدونة محمد كريم الساعدي


المرتكزات الفكرية في تأصيل ظاهرة التشويه لشخصية الرسول محمد (ص)/ الجزء الثاني

أ.د محمد كريم الساعدي | Mohamad kareem Alsaadi


14/06/2022 القراءات: 861  


وفي مجال آخر يصف (توما الاكويني) الرسول محمد (ص) بالزيف وعدم تقديم الادلة والبراهين بأنه موحى اليه من قبل (الله) جل جلاله ، علماً أنّ القران الكريم يشير الى جملة من الآيات التي يؤيد كون المعجزات التي قدمها الرسول عديدة و منها في سورة الروم ، وكذلك انشقاق القمر كما في سورة القمر ، بل إنّ الاحداث التي وقعت للرسول والانبياء السابقين هي في حد ذاتها آيات وبراهين ،والقران الكريم في ذاته اكبر دليل على نبوة محمد (ص) فكيف الرسول (ص) يتهم بالزيف في هذا المجال ؟ و لو أنّ (توما الاكويني ) قرأ القران الكريم لتبين له بطلان ما أدعاه من الاوصاف ضد الرسول .
واخيراً فمن اشار على (توما الاكويني) بأن اتباع الرسول (ص) هم فقط من القساة و قطاع الطرق و التائهين في الصحراء، ألم تكن هذه الاوصاف متشابهة الى ما كان يوصف به الشرقي كونه قاسي القلب ولا يعرف الرحمة ، وهل إنّ الرسول (ص) كان قد أجبر الناس على اعتناق الاسلام بالسيف ، فهنالك ابناء ديانات اخرى كان الرسول (ص) يعاملهم بإحسان ومنهم اليهود والنصارى وغيرهم من لم يدخل في الاسلام، كانوا يعيشون في وسط المسلمين وهم آمنون على نفسهم و مالهم و عرضهم ، بل أنّ الاسلام ديانة تدعو الى العلم و المعرفة ايضاً و التسامح و ما اية (لا اكراه في الدين) الا مصداق لذلك ، وكذلك ابتدأ الإسلام بـ (أقرأ ) وليس بـ(اقتل).
وننتقل الى الشاعر والمفكر والسياسي الايطالي (دانتي اليغييري 1265- 1321) من الذين ساهموا في بناء التصورات الفكرية عن الرسول محمد (ص) في نتاجه الادبي الذي تأثرت به المجتمعات في اوربا ، وعمل على تثبيت هذه التصورات في الفكر الغربي من خلال عمله الادبي (الكوميديا الالهية) ، والتي سنركز هنا فقط على الدور الذي لعبته كوميديا (دانتي) سلبياً في رسم صورة الرسول (ص)، وفي فصول اخرى سنركز على ما جاء في كوميدياه عن الاسلام والرسول (ص) .
ينقل لنا (اي . بي ، دانزيف) في كتاب (دانتي مفكر وسياسي ) أن دانتي انخرط بالعمل السياسي ضد الآخر الذي يراه بالضد من دولته العالمية ،إذ يقول (دانزيف) : إنّ دراسته لدانتي كمفكر سياسي طرأت له فكرة واحدة هادية في معالجة هذا الموضوع ؛ ان اهتمام دانتي بالشأن السياسي يبدو له امراً تحدده ثلاثة عوامل رئيسية ، اولها مصادر ممكنة بالإلهام : المدينة، الامبراطورية والكنيسة . و لا يتطابق هذا الالهام فقط مع المشكلات الرئيسية التي واجهت (دانتي) في زمانه ، بل انها تفسر وتصور الطوابق ، أو المواضع المختلفة التي لا يكون من الممكن بدون مجهود مفرط اكتفاء اثر تطوره الفكري ، ومساهمته في ايجاد مبررات لتكوين مفاهيم ساهمت في رسم تصوراته ومعتقداته في النظرة الى الاخرين المغايرين أيضاً ، ومنهم المسلمون لأن انخراط (دانتي ) ليس فقط كشاعر ،أو أديب ايطالي ، بل مفكر و سياسي عمل على بناء صورة لشكل الدولة العالمية التي يطمح لها ، تكون للكنيسة دوراً مهماً فيها، وأنّ (دانتي)الذي عمل على دعم الفكرة من خلال مطابقته في كوميدياه مع المعتقدات التي سار عليها مجموعة من السياسيين والملوك و البابوات عن الحملات الصليبية لاستعاده الاراضي المقدسة في فلسطين ، وقدسها الذي كان يشكل رمزاً مهما في عمل دانتي الذي تأثر في هذا المجال بالملحمة الفرنسية (اغنية رولان) والتي تروي أحداث كبيرة في حقبة الحكم العربي للأندلس و كذلك عمل (اليسكان) . وهذان العملان الملحميان اللذان صورا القتال ضد المسلمين ،أو ما يطلق عليهما بأسم (السراسنة) ، أي الشعوب الشرق أوسطية ،وللإشارة الى العرب منهم خاصة والمسلمين بصورة عامة في هذه المنطقة ، إذ ورد ذكر محمد (ص) في احداهما تحت عنوان (Mawnets) وهو اسم محرف مشتق من أسم (محمد ص) الذي يدل على عبادة الاصنام . وفي اليسكان بصورة خاصة فأن احد مقاطعها يشير الى شخصية مسلمة تتبرأ من دينها الاسلامي ومن عبادة (محمد ص). وهذه الاحداث في هاتين الملحمتين شكلت جزء مهم من وعي (دانتي ) ورؤيته للإسلام وللرسول .


الفكر ، التشويه ، الاسلام


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع