فتوى بشأن (الحج والعمرة بالتقسيط)
د. طه أحمد الزيدي | Dr. TAHA AHMED AL ZAIDI
16/06/2023 القراءات: 1027
(الحج والعمرة بالتقسيط)
تعرض بعض شركات الحج والعمرة، على الزبائن عرضا يتضمن اتاحة الفرصة لأداء العمرة او الحج عن طريقها وتكون الأجرة بالتقسيط مع زيادة عن الأسعار المعتادة.
وجوابه: إن العمرة وبعض صور رحلات الحج التي تقدمها الشركات المعنية تتضمن مجموعة من الخدمات المتمثلة باستخراج التأشيرة والحجز والإقامة والتنقل، وهذه مرتبطة بثلاث أطراف (الحاج والمعتمر وشركات الحج والعمرة في العراق (وهي المسؤولة أمام الهيئة العليا للحج والعمرة في العراق) وشركات تنظيم الحج والعمرة في المملكة العربية السعودية (وهي المسؤولة أمام وزارة الحج في السعودية)، وتقوم الشركة العراقية بالاتفاق مع الشركة السعودية في شراء مسار العمرة وبعض رحلات الحج، وهنالك صورة وهي المنتشرة أن تقوم الشركات الصغيرة أو مكاتب للحج والعمرة بالتعاقد مع شركة عراقية كبيرة معتمدة من قبل الشركات السعودية أو شراء مقاعد منها.
فالأصل أن ما تقدمه شركات الحج والعمرة او المتعهدون هو نوع من الخدمات والمنافع التي يجوز التعاقد عليها شرعًا، وباستقراء طبيعة تحصيل هذه الخدمات والمنافع، يمكننا تحرير المسألة علة وفق التفصيل الآتي:
إذا كانت الشركة المحلية تشتري المسارات باسم الحجاج أو المعتمرين أنفسهم، أو يكون الحجز الأولي مع شركة الطيران أو السكن باسم الحاج والمعتمر، وتدفع المبالغ عنهم فهذا قرض تقدمه الشركة نيابة عنهم وتستوفيه منهم، فهنا لا يجوز أخذ زيادة عليه لمن يدفع أجور العمرة بالأقساط لأنه قرض جرّ منفعة فهو ربا عند جمهور الفقهاء، وخروجا من هذا المحظور يمكن للشركة أن تعمل عقدين تتضمن تفصيلا للأجور فتبقي الفقرات المتعلقة بالخدمات التي يتم الدفع المسبق باسم المعتمر موحدة سواء أكان الدفع نقدا أم تقسيطا، والخدمات التي لا يكون فيها دفع مسبق أو الدفع المسبق يكون مجملا فيها لا يحتاج الى تحديد اسماء الحجاج والمعتمرين، فتكون الاجرة فيها متفاوتة.
وأما إذا كانت الشركة المحلية تشتري عددا من المقاعد ضمن المسار من غير تسمية الحجاج او المعتمرين، أو يكون الحجز الأولي مع شركة الطيران أو السكن مقطوع العدد من غير تسمية الاشخاص فيه، فهنا أصبحت الشركة مالكة لهذه المنافع، ويجوز لها أن تؤجرها لمن تريد وبالمبلغ الذي تحدده نقدا أو تقسيطا، بناء على جواز تأجيل الأجرة، وفي هذه الحالة يجوز للشركة أن تقدم خدماتها بالتقسيط تيسيرا وترغيبا للمعتمرين أو الحجاج في التعامل معها سواء أكان السعر واحدا في حالة الدفع نقدا أو بالتقسيط أم بزيادة في سعر الدفع بالتقسيط، بشرط الاتفاق على صيغة واحدة، ولا يجوز الزيادة عما اتفق عليه من أجرة في حالة تأخر المعتمر عن تسديد الاقساط، وننصح الشركات بأن تجعل السعر موحدا احتياطا، وإذا أرادت أن تقدم تسهيلات فتخفض من سعر من يدفع نقدا، لأن المقرِض من حقه أن يحط شيئا من القرض ولا يجوز له أن يزيد عليه لقاء التأجيل.
وأصل هذه المسألة يتعلق بالاستدانة من أجل الحج أو العمرة: جاء في الموسوعة الفقهية الكويتية (3/ 262- 263): الاستدانة لحقوق الله تعالى المالية، كالزكاة، لا تثبت في الذمة إلا على الغني القادر عليها - والغني في كل تكليف بحسبه - فلا يكلف بالاستدانة ليصير ملزما بشيء منها بالاتفاق، أما ما شرط الله لوجوبه الاستطاعة، كالحج، فإن كان لا يرجو الوفاء فالاستدانة لأجله مكروهة أو حرام عند المالكية، وخلاف الأفضل عند الحنفية، أما إن كان يرجو الوفاء فيجب عليه عند المالكية، والشافعية، وهو الأفضل عند الحنفية، وعند الحنابلة أنه إن أمكنه الحج بالاستدانة لم يلزمه ذلك، ولكن يستحب له إن لم يكن عليه في ذلك ضرر أو على غيره .
فإذا وجبت حقوق الله تعالى المالية على عبد حال غناه، ثم افتقر قبل أدائها، فهل يكلف بالاستدانة لأدائها؟ يفرق فقهاء الحنفية في ذلك بين الحالتين(حاشية ابن عابدين 2 /140): إن لم يكن عنده مال وأراد أن يستقرض، فإن كان في أكبر رأيه أنه إذا استقرض، واجتهد لقضاء دينه يقدر على ذلك، كان الأفضل له أن يستقرض، فإن استقرض وأدى العبادة ولم يقدر على قضاء الدين حتى مات، يرجى أن يقضي الله تعالى دينه في الآخرة، وإن كان أكبر رأيه أنه إذا استقرض لا يقدر على قضاء الدين، كان الأفضل له ألا يستقرض، لأن خصومة صاحب الدين أشد، وظاهر هذا أنه لا يجب عليه الاستقراض على كل حال.
وعليه إن الاقتراض وتحصيل النفقة لأجل النسك لا يجب, ولا حرج على من وجد من يقرضه قرضًا حسنًا, قبول ذلك لأجل أداء النسك, إن علم من نفسه القدرة على السداد، قال الخطيب الشربيني (مغني المحتاج، 3/30): إنما يجوز الاقتراض لمن علم من نفسه القدرة على الوفاء.
وعليه يجوز الحج والعمرة بالتقسيط على التفصيل السابق، إن علم القدرة على التسديد؛ لأنه استقراض لأداء طاعة، وقد أصبح هذا الأمر متيسرا لمن له راتب شهري يستطيع استقطاع جزء منه لتسديد الاقساط الشهرية. والله اعلم.
الحج- مقاصد الحج - فقه الحج- الدين والحج- الحج والعمرة بالتقسيط- طه الزيدي
يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع