مدونة الباحث/محمد محمد محمود إبراهيم


{مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْ}(1)

باحث /محمد محمد محمود إبراهيم | MOHAMED MOHAMED MAHMOUD IBRAHIM


05/01/2023 القراءات: 411  


وكما في قول الله تعالى: {وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الأرْضِ وَلا رَطْبٍ وَلا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ}.
وهذا لا ينفي ورود كلمة " الكتاب " بمعنى القرآن الكريم، حيث وردت آياتٌ كثيرة بذلك. منها قوله تعالى: {الم (1) ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ}.
ومنها قوله تعالى: {الر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ}.
الرابع: نفي التفريط عن الله في الكتاب، في قوله: {ما فَرطْنا في الكِتابِ مِنْ شَيْء} يدل على أن المراد به علم الله الأزلي.
قال الإمام الراغب في المفردات: " فرّط: إذا تقدم تقدماً بالقصد.
والإفراط أن يُسرف في التقدم. والتفريط أن يُقصر في الفَرَط وهو التقدم.
يقال: ما فرّطت في كذا: أي ما قصّرت ".
ولذلك يقال: خذ الأمر بدون إفراطٍ ولا تفريط. أي بدون مبالغةٍ في التقدم، ولا مبالغة في التقصير والتأخر.
وينفي الله سبحانه -في الآية موضوع البحث- عن نفسه التقصير والتفريط في علمه بالأمم المختلفة، من الإنس والجنّ والطير والدّواب والحشرات. إذ أن كل ما يتعلق بها تفصيلياً، مثبتٌ في اللوح المحفوظ.
وقد ذهب كثيرٌ من أهل السلف إلى أن المراد بالكتاب في الآية اللوح المحفوظ، وعلم الله الأزلي الذي أحاط بكل ما هو كائن.
حيث أورد إمام المفسرين محمد بن جرير الطبري، طائفةً من أقوالهم في
ذلك: فعن ابن عباس - رضي الله عنهما -: {مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ}، ما تركنا شيئاً إلا قد كتبناه في أم الكتاب.
وعن الإمام ابن زيد قال: {مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ}. كلهم مكتوب في أم الكتاب.
وأورد السيوطي في " الدر المنثور " طائفةً أخرى من أقوالهم:
فعن قتادة قال: {مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ}: من الكتاب الذي عنده.
وعن ابن زيد في قوله: {مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ}. قال: لم نغفل الكتاب. ما من شيء إلا وهو في ذلك الكتاب.
وعن عبد الله بن زيادة البكري قال: " دخلتُ على ابنيْ بشر المازنيَّيْن -صاحبيْ رسول الله صلى الله عليه وسلم- فقلتُ: يرحمكما الله، الرجل منا يركب الدّابة، فيضربها بالسوط أو يكبحها باللجام، فهل سمعتما من رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك شيئاً؟ فقالا: لا. فنادتني امرأة من الداخل فقالت: يا هذا، إنَّ الله يقول في كتابه: {وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الأرْضِ وَلا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ} ".
فقالا: هذه أختنا، وهي أكبر منّا. وقد أدركت رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ونورد -من باب استكمال الفائدة- آياتٍ من القرآن تدل على شمول القرآن للأحكام والتشريعات، وتقدم الشهادة بصورة لا مطعن فيها ولا رفض ولا ردّ، لأن معناها وموضوعها وسياقها يوحي بذلك:
من هذه الآيات قوله تعالى: {أَفَغَيْرَ اللهِ أَبْتَغِي حَكَمًا وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ إِلَيْكُمُ الْكِتَابَ مُفَصَّلاً}.
وقوله تعالى: {وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ}.
وقوله تعالى: {وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ إِلَّا لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ}.
وقوله تعالى: {وَمَا كَانَ هَذَا الْقُرْآنُ أَنْ يُفْتَرَى مِنْ دُونِ اللهِ وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ الْكِتَابِ لا رَيْبَ فِيهِ}.
***


{مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْ}(1)


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع