مدونة بكاري مختار


الدولـة الزيانيـة - الجزء الخامس -

د/ بكاري مختار | Dr. BEKKARI mokhtar


25/06/2022 القراءات: 1219  


ويمكـن إبـراز الازدهـار الثقـافي و العلمـي في الدولـة الزيانيـة مـن خـلال مـا يلـي :
أ - أحباء دور التعليم و بناء المدارس : لا يمكن للعلم أن يزدهر إلا حيث تنتشر مراكز التعليم ، وكان من حظ تلمسان في هذا القرن أنها ورثت مجموعة لا بأس بها من المدارس ذات المستوى العلمي الكبير ، شيد الزيانيون أغلبها خلال فترات متعاقبة ، و قد أشار " ابن خلدون " إلى هذه المدارس بقوله: (( و المعاهد الكريمة )) ووصفها " الحسن الوزان" بأنها(( حسنة جيدة البناء ، مزدانة بالفسيفساء و غيرها من الأعمـال الفنية )). شيد بعضـها ملوك تلمسـان و بعضها ملـوك فاس و من أهم تلك المـدارس نجد:
1 - مدرسة ولدي الإمام : بنيت في عهد السلطان " ابن حمو موسى الأول" و سبب بنائها أن الأخوين " ابني الإمام " دخلا تلمسان في عهد هذا السلطان ، فأكرمهما و ابتنى لهما هـذه المدرسـة التي سميـت باسمهـما ، و كـان حـوالي سـنة : 710 هـ .
2 - المدرسة التاشفينية : بناها " عبد الرحمان أبو تاشفين " (718-737) بجانب الجامع الأعظم ، و عين بها مدرسين من كبار العلماء من أمثال " أبي موسى المشدالي " وكانت هذه المدرسة تحفة فنية رائعة ، و قد وصفها" المعري" بأنها من بدائع الدنيا ، و للأسف أن يد الاستعمار الفرنسي قد أتت عليها فتم تهديمها دون مراعاة لما فيها من جوانب فنية و حضارية و ذلك لبني مكانها دار البلدية ، ثم نقلت بعض تحفها وزخارفهـا إلى متحـف تلمـسان و إلـى متحـف كـلوني فـي بـاريس .
3- مدرسة أبي الحسن المريني بالعباد : أسسها " أبو عنان أبي الحسن المريني " في منطقة تسمى العباد سنة : 754 هـ بجانب مسجد الولي الصالح " أبي عبد الله الشودي الأشبيـلي" الملقـب (( بالحـلوي)) .
4 - المدرسة اليعقوبية : أسسها السلطان "أبو حمو موسى الثاني" (760-791) على ضريح والده " يعقوب" و عميه "أبي سعيدعثمان و أبي ثابت ) و تم تدشينها في شهر صفر سنة : 765 هـ . و قد احتفل بها هذا السلطان و اعتنى بها، و أكثر عليها الأوقاف . و كان الإمام " أبو عبد الله الشريف التلمساني" واحد من أكابر مدرسيـها ، و من سـوء الحـظ أن هـذه المدرسـة قد اندثـرت كـغيرها مـن المـدارس .
* و لهذه المدرسة مكانة هامة ، إذ يختار لهذه المدرسة كبار العلماء . و يمكن القول بأنها كانت بمثابة جامعات كبيرة و من تم فلم يكن يلتحق بها إلا الطلبة الذين فرغوا من مراحـل الدراسـة الأوليـة : الكتـاتيب ، الزوايـا ، المسـاجد و كـان التعليـم فيها مجانا وسـير على خطوات مرحلية وفق نظم و تراتيب خاصة و ذلك حسب مستويات الطلبة و اتجاهاتهم العلمية . و كان الطلبة الفقراء يسكنون في غرف تابعة لهذه المدارس ، إلا أن حياتهم كانت صعبة كما وصفها الحسن الوزان . و لكنهم عندما يرتقون إلى درجة فقهاء يعـين كـل واحـد منهـم أسـتاذا أو إمـاما .
ب - انتشار المساجد و الزوايا : لم يكن التعليم في تلمسان حكرا على المدارس والمعاهد فقط ، بل كان نطاقه أوسع من ذلك . فقد كانت المساجد و الزوايا مراكز علميـة مساعـدة و مكملـة للـمدارس الكـبرى ، ففيـها يتلـقى الطلـبة المبادئ الأوليـة للعـلوم و ينال العامة نصيبهم من العلم و الثقافة . و تذكر لنا المصادر التاريخية أن عدد مسـاجد تلمـسان بلـغ حـوالي 60 مسجـدا و انتشـرت منـها المسـاجد التاليـة :
1 - الجـامع الكـبير : بناه المرابطون سنة : 530 و هو أشهر المساجد أكبرها .
2 - مسجـد سيـدي أبي الحسـن : أسسـه السلطـان " أبـو سعيـد عثمـان سنـة 696 و كـان المسجـد تحفـة فنيـة معماريـة .
3- مسجـد أولاد الإمـام : كان تابعا للمدرسة التي بناها " أبو حمو موسى الأول " حوالي : 710 هـ .
4 - مسجد سيدي بومدين : بني في عهد " أبي الحسن المريني " و أخذ اسم الولي الصـالح الـذي دفـن بجانبـه .
5 - مسجد سيدي الحلوي : بناه السلطان "أبو عنان المريني " عام : 750 هـ أيام الاستيـلاء المريني على المغـرب الأوسـط كله ، وهـو بـذلك من أهـم آثـار الدولـة الزيانيـة .
6- مسجد سيدي ابراهيم المصمودي: أسسه السلطان " أبو حمو موسى الثاني " إلـى جـانب المدرسـة اليعقوبيـة سنـة: 765 هـ.
ثـالثـ ا : تشجيـع المكتـبات و خزائـن الكتـب :
ما من شك في أن مثل هذه الحركة العلمية لا يمكن أن تنمو بمعزل عن مصادرالمعرفة ، و ما من شك أيضا أن علماء تلمسان وطلبتها كانوا منشغلين بجمع الكتب و دراستـها ، يـدل علـى ذلـك كثـرة المصنـفات المعتمـدة في الحـياة الدراسيـة عندهـم .
أضف إلى ذلك أن ملوك بني زيان كانوا مهتمين بتعمير المكتبات خدمة للطلبة ، و من الأمثلة الحيـة على ذلك أن " أبو حمو موسى الثاني " قد أسـس خزانـة كتب امتـدت آثـارها حتى القرن 19 .
- نتائج النهضة العلمية : كان لمؤشرات النهضة العلمية في الدولة الزيانية إفرازات و نتائج ملموسة في الواقع ، و قد تمثل ذلك في ظهور الكثير من العلماء الذين ساهمـوا في تطـوير الحيـاة العلميـة و الفكريـة في هـذا القـرن رغـم تدهـور الأحـوال الإجتماعي و السياسية . و قد كانت إسهاماتهم متنوعة إذ اشتغلوا بالتدريس فكونوا خلفاءهم من العلماء و الأئمة و شاركوا في التأليف . فتركوا للأجيال تراثا علميا زاخرا و شاركوا في حركة الإصلاح ضد بعض التيارات المنحرفة على مسرح الأحداث ، فعملوا على تجنيب المجتمع من الوقوع فيها و من أشهر هؤلاء العلماء ( عائلة المزارقة ، عائلة العقبانيين ، ابناء إمام ، ابن زاغو ، السنوسي ، ابن زكري المعتيلي ، المـازوني و الونشـريسي ... إلخ ) .
إن تلك المؤسسات العلمية و التربوية كانت تحتضن مجالس مختلف العلوم و كانت تدرس فيها مختلف أمهات الكتب و الدواوين بدءا من القرآن و الحديث و علومهما إلى العقائد و أصول الدين و الفقه و أصوله و اللغة وعلومها و التصوف و المنطـق ، الفلسفـة ، الطـب ، الهندسـة ، الفـلك و علـوم الزراعـة و غـيرها


الدولـة الـزيانيـة، تلمسان


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع