مدونة بكاري مختار


الدولـة الزيانيـة - الجزء الرابع -

د/ بكاري مختار | Dr. BEKKARI mokhtar


25/06/2022 القراءات: 907  



1- الحالـة الاقتصاديـة للدولـة الزيانيـة:
لقد اهتمت الدولة الزيانية بالنشاط الزراعي و الصناعي و التجاري . ففي مجال الزراعة كانت الجزائر أرضا زراعية بطبيعتها ، لذلك اعتنى الأهالي بترقية الزراعة و إتباع طرق علمية معروفة في عهدهم مثل: استخراج المياه الجوفية ، إقامة السدود ، حفر القنوات و الجداول للري .كما اعتنوا بتنويع المنتوجات الزراعية والإكثار من البساتين و الحدائق حول المدن و وسطها، حتى أصبحت المنتوجات الزراعية والتجارية و الصناعية تفوق حاجة المواطنين ، و صدروا منها كميات كبيرة إلى أروبا و دول الجنوب حتى ساحل غانا . و إلى جانب الزراعة اعتنوا بتغذية الحيوانات و النحل حتى غدت من أهم موارد الدولة ، و من أهم صادراتها للخارج. فقد كان السمن و العسل الجزائري و خاصة في منطقة الأوراس ، يضرب به المثل و مـرغـوب فيـه بكثـرة فـي الـدول الأخـرى الـتي تتعـامل مـع الجـزائـر . كمـا اهتـم الزيانيون كذلك بالصيد لاسيما صيد المرجان من مرسى الحزر الذي قدر دخله السنـوي : 10 آلاف ديـنار ، أمـا فـي المجـال الصـناعي فـاعتـنى الـزيانيـون باستـخـراج المعادن ، كالحديد قرب عنابة و الفضة و الرصاص في بجاية و غيرها من المعادن الأخرى التي ساعدت على تطوير الصناعة الجزائرية خاصة و قد توفرت لها اليد العاملة الماهرة التي هاجرت الأندلس و بعض عواصم المشرق العربي ، و أهم الصناعات المنتشرة هي : صناعة النسيج على اختلافه ، السجاد، الزرابي التي اشتهرت بهما تلمسان و الأوراس . صناعة مواد البناء ، الرخام ، دباغة الجلود ، صناعة الأحدية ، الأثاث الرفيع، صناعة التطريز والأسلحة وأشهرها على الإطلاق : صناعة السفن التجارية و الحربية التي كانت الحكومة توليها عناية خاصة ، و تنفق عليها من مالها الخاص ، صناعة الساعات ، التي اخترعها ابن الفحام الجزائري : 1359 و هراسيق من ساعة ستراسبورغ بحوالي قرنين من الزمن .إذ يقال أن ابن حمو الثاني كان يملك ساعة ناطقة عجيبة الصنع . كذلك نجد صناعة الأدوية التي تدل على مدى تقدم الكيمياء و الطب و غيرها من الصناعات الأخرى ، و كان لكل مدينة شهرتها بحرفة معينة ، بل و في المدينة الواحدة قد تتخصص كل سوق بصناعة معينة كسوق الحدادين ، النحاسين ، النجارين و الصناعيين ... إلخ . أما في المجال التجاري فقد عقد الزيانيون عدة اتفاقيات تجارية مع الدول الأجنبية في أروبا و جنوب الصحراء الكبرى و تأسست مجموعات تجارية حرة تتاجر على حياتها و نظمت تجارتها تحت حماية الدولة الزيانية ، و اختصت بعضها بالتجارة الداخلية و أخرى بالتجارة الخارجية مع الجنوب و أخرى مع أروبا و هكذا .
- أما التجارة الداخلية فكانت تستعمل القوافل التجارية و اختصت قوافل الجمال بالتجارة الجنوبية و السفن بالتجارة مع أروبا . ونظرا لازدهار الاقتصاد ارتفع مستوى الحياة المعيشية ، إذ عاش المجتمع في رغد مما شجعه على تنشيط الحركة العلمية و تعزيز القوة العسكرية لأن الثقافة تغذي وتنمي الاقتصاد ، من زراعة ، صناعة و قوة عسكرية تحفـظ الأمن و تصـد كل خطـر يهدد الـبلاد من الداخـل أو الخـارج .
2- الحالـة الثقافيـة و الاجتماعيـة :
مثلما تنافس ملوك المغرب العربي على السيطرة و بث النفوذ و توحيد المغرب العربي تحت راية واحدة ، تنافسوا كذلك على تنشيط الثقافة و تشجيع الاختراعات و البحث و تشجيع العلماء . فعمت بذلك العلوم المدن و القرى الزراعية خاصة و أن الثقافة لم تتأثر كثيرا بالتقلبات السياسية ، فشيدت عدة مدارس في كل مدينة ، و مدرسة أو أكثـر في كـل قريـة زراعيـة ، عـلاوة على الكـتاتيب والمـساجد الـتي كانت كلها تسـاعد على نشر الثقافة . و اعتنى العلماء و الملوك باقتناء الكتب العلمية و تأسيس المكتبات الخاصة والعامة . و لقد كان معظم ملوك بني زيان علماء و أدباء و شعراء و من أشهر مؤرخي هذا العهد العلامة "ابن خلدون" التونسي ، الذي كتب مقدمته الشهيرة لتاريخه في الجزائر . كما كان في تلك الفترة الأثرياء ينفقون أموالهم على المدارس و الزوايا تشجيعا منهم للحركة العلمية و مساعدة منهم للطلاب على مواصلة دراستهم بالمجان ، مع توفير حاجياتهم الضرورية حتى لا ينصرفوا إلى غير العلم أثناء دراستهم . و إلى جانب الدروس المنتظمة كانت تعقد الحلقات و المحاضرات في المساجد التي تختتم بالمناقشة الحرة ، و لا يخفى ما لهذا النشاط الثقافي من أثر على تطوير العلوم و توسيع الأفق عند الطلبة و العلماء معا. و قد استحسن " ابن خلدون" نظام التعليم في الجزائر فقال : (( بأنه يغذي الملكة ، و يقرب المفهوم . لأن الأبحاث في مختلف العلوم ، جارية على القوانين النظرية و الاستدلالات العقلية ...)) .وقدم إلى مختلف المدن الجزائرية طلاب من مختلف الأقطار لمواصلة دراستهم في الطب و الفلسفة و الطبيعيات و الرياضيات والموسيقى .على أننا لا ننكر أن العلوم الدينية والأدبية كانت لها المكانة الأولى ،نظرا لروح العصر الذي كان يتغلب عليه الطابع الديني، وكان لكل مادة رئيسها .فقد كانت رئاسة الطب مثلا لمحمدبن علي التلمساني ومن أشهر المؤلفين في الطب ( محمد بن يوسف السنوسي ، و الطيب أبو عبد الله ) الطبيب الخاص بالقصر الملكي . كما اهتمت الدولة الزيانية ببناء القصور ، المساجد و المدارس فكانت حقا تحفا رائعة . واعتنت بالفنون الجميلة كالموسيقى و النحت و الطرز ، و تعدد النوابغ في كل فروع المعرفة و اشتهر متخصصون في الحديث والفقه و اللغة و الطب ، الفلسفة و الفلك ، و لم يقتصر هذا النشاط على المدينتين العلميتين تلمسان و بجاية بل شمال كل المدن و حتى البوادي.


الدولـة الـزيانيـة، تلمسان


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع