مدونة مسعد عامر سيدون المهري


الأدب الساخر ( الفكاهي )مفهومه ووظيفته..

مسعد عامر سيدون المهري | Musaad Amer Saidoon Almahry


31/05/2022 القراءات: 2057  







الأدب هو الفن القولي الجميل الذي يجلب الامتاع والفائدة، شعرا ونثرا، وقد عرف بعدد من الخصائص والضوابط تجعل منه صورة مقبولة عند الجماهير، وهو في هذا ينقسم إلى قسمين: قسم جاد يعتني بالحقائق والقضايا الكبرى في النفس والمجتمع والحياة والكون، فيواكب تقلبات المجتمع ويعاين مشاكله، وينصرف إلى ذات المبدع فيعبر عن وجدانها ونظرتها للآخرين، ويرصد مواقف من الحياة بقسوتها ولطفها، وحزنها وفرحها، وقسم آخر يتجه إلى النفس البشرية فيبحث عما يسليها، ويزيح عنها هموم الحياة وغمومها، من خلال استثارة الضحك فيها، وفي هذا القسم من الأدب ستكون وقفتنا في الأسطر التالية.
إن الأدب الفكاهي بحسب ما لاحظ الدارسون ينهض بوظيفة ( تطهيرية ) حيث يزيل من النفس أدران الهم والقلق واليأس والحقد والتشاؤم والإحباط , حيث يذهب "ماكس ايستمان" إلى أن الإحباط الناتج للإحباط نفسه يمكن أن يتمثل في نكتة لا تستغرق غير ثوان معدودات. وتأسيسا على ذلك يمكن عد الأدب الفكاهي من وسائل تجديد الذات عند الفرد والمجتمع , فهو الذي يعطي النفس القدرة على المواجهة والبقاء في أكلح الظروف ما دام معها .



وقد لاحظ الدكتور عبد العزيز شرف ذلك من خلال تحليله لبنية الطباق في قوله تعالى ( وأنه هو أضحك وأبكى . وأنه هو أمات و أحيا ) حيث وضع سبحانه وتعالى الضحك بحذاء الحياة , ووضع البكاء بحذاء الموت ,ثم يضيف: "والطباق الحقيقي بين الضحك والبكاء، أساس لفهم الطباق بين الفنون المعبرة عن الاسمين الحقيقيين , وربما كان بمقدورنا أن نقابل بين الملهاة والمأساة في فنون الأدب تأسيا على هذا الفهم، حيث تصدر الأولى عن حالة نفسية تبعث على البكاء، وعلى هذا النحو يظهر من توازنهما في التاريخ أو في الصيغة بوصفهما لونين ناضجين تماما من ألوان الأدب.
لقد كانت الفكاهة بمثابة مرآة تعكس فيها أحوال المجتمع في عصوره المختلفة، وما مر به من أحداث وما اكتسب من مقومات وما اندمج فيه من سمات أصلية أو دخيلة، كما تنعكس فيها نفوس أناس تمتعوا بحس فكاهي ورغبوا في التحرر من الجدية عن طريق الهزل والمزاح بإنكار الواقع والارتداد نحو الطفولة المبكرة.
من ثم فالفكاهة أسلوب من أساليب التعبير عن الواقع الإنساني والاجتماعي لا يمكن أن نفهمها دون الإطلاع على ثقافة ذلك المجتمع، بحيث ينظر إليها ضمن الثقافات السائدة . علاوة على ما تتسم به من خصائص فنية وبلاغية كالتكثيف اللغوي والدلالي والإيجاز البلاغي، وأبرز عناصرها تقوم على التنافر والمفارقة والمبالغة والانتقال إلى عالم الاستحالة .



في الواقع إن مفهوم الفكاهة كواقع اجتماعي يتراءى أمامك من الصعب تحديدها؛ لذا يقول البشير المجذوب :" الظرف من أشد المفاهيم الاجتماعية استعصاء على الإيضاح والتحديد، ذلك لأنه ظاهرة معقدة يشارك فيها كيان الشخصية اجمع .." ويضيف :" كما إن مما يعسر تحديد مفهوم الظرف انطباقه على فئات وأصناف من المجتمع مختلفة شديدة الاختلاف بل ومتعارضة من حيث الأخلاق والسلوك والنظرة إلى الحياة , فمن الظرفاء؛ الماجن الزنديق، والديّن التقي، والمترف المتنعم، والزاهد الصوفي، والشريف من علية القوم، والعامي؛ تاجرا كان أو صانعا، بصرف النظر عن حظه من الرزق ونوعيته، حتى إننا لنجد الظرف يشمل الشطار والعيارين، وهكذا تطلق الطُّرفة على مواقف وأحوال متباينة متنافرة إلى درجة التضاد"..
ويقول وهو يتحدث عن خصائص الفكاهة ( الطرافة ) :" ومن خصائص نظرة الظريف إلى الحياة؛ إحياءه للضحك، والرفع من قدر الهزل، وتوفيه حقه حتى يحله مكانة ممتازة في حياته. وذلك بحكم طبيعة الظرف فيه وما خص به من خفة روح، ونزعة فطرية إلى اللهو والفكاهة والمزاح، ثم لإدراكه العميق لشرف الضحك وعظيم مزاياه، ووعيه الجاد بقصر الحياة، وأنها فرصة مهددة على روعتها في كل آن" .



لعلنا من هذا التوصيف استخلاص خصائص الأدب الفكاهي؛ وهي:
- أنه يثير الضحك لدى المتلقي ,وهو ضحك يقصد إليه المنشئ قصدا نتيجة لما مر به من ظروف قاهرة .
- أنه يمتاز من الناحية الفنية بالإيجاز والتكثيف .
- أنه يتضمن بعض المحسنات البديعية بل ويعتمد عليها, كالتورية.
- أنه له قبول عند العامة والخاصة في ذلك العصر , حيث راج سوقه في حين انكمش الأدب الجاد الفني .
- أنه كنوع من الاحتجاج على السلطة , وكتعبير عن رفض الأوضاع السياسة والاقتصادية والاجتماعية.
ولعنا نقف على بعض النماذج من شعر الفكاهة، الذي يثير ضحك السامعين ، يقول أبو الرقعمق ( وهو أبو حامد أحمد بن محمد الأنطاكي الملقب بـابن الرقعمق (ولد ? - توفي ليلة الجمعة 22 رمضان 399 هـ ـ مايو 1009م) هو شاعر كثير الهزل والمجون، ينسب إلى مدينة أنطاكية. أقام في مصر زماناً طويلاً، ومعظم شعره مدح في ملوكها ورؤسائها، ومدح من الخلفاء الفاطميين الخليفة المعز وولده العزي
لو برحلي ما برأسي لم أبت إلا بنجد
خفة ليست لغيري لا أراني الله فقد
ويقول بو ظاهر إسماعيل المعروف بابن مكنسة:-
أنا الذي حدثكم عنه ابن الشمقمقِ
وقال عني إنني كنت نديم المتقي
وكنت كنت كنت كنت من رماة البندقِ
حتى متى أبقى كذا نسيا طويل العنق
بلحية مسبلة وشارب محلق
فنحن نرى الشاعر يسخر من نفسه ويظهر نفسه بصورة الأحمق , وغرضه من ذلك إمتاع الآخرين وإضحاكهم.
وقد كان غرض الهجاء أحد الأغراض التي يتمثل فيه الأدب الفكاهي، ومن النماذج على ذلك؛ قول ابن مكنسة يهجو القاضي الجليس أحد الأطباء، ومتندرا به :
أصل بليتي من قد غزاني من السقم الملح بعسكرين
طبيب طبه كغراب بين يفرق بين عافيتي وبيني
أتى الحمى وقد شاخت وباخت فرد لها الشباب بنسختين
ودبرها بتدبير لطيف حكاه عن سنان أو حنين
وكانت نوبة في كل يوم فصيرها بحذق نوبتين
ولا ريب أن ومن يطالع هذه النماذج يحس فيها بالإمتاع والضحك أكثر من إحساسه بالألم والضيق، وتلك آثار الشخصية الفكاهية في الشعر يعكس فن الفكاهة بقوالبه وتحركاته على لغة الشعر فيكسبها من طابعة وصفاته.








الأدب ، الفكاهة ، الشعر


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع