مدونة أ.د بلقيس أحمد الكبسي


النقد الأدبي أكاديميا وصحافياً مقومات النهوض ومعوقات التعثر

أ.د بلقيس أحمد الكبسي | Prof.Dr. Belqes Ahmed ALkebsi


02/06/2022 القراءات: 792  


يعد الأدب بكافة أنواعه وأجناسه سابقاً للنقد بمختلف آلياته وأدواته، كما يعدُّ حصيلة نتاج الواقع والبيئة والمجتمع والحياة اليومية بما فيها من مشاعر وعواطف وأحداث وأفعال جميعها يؤثر ويتأثر بها النتاج الأدبي سلبا وإيجاباً، في الوقت نفسه يتأثر ويؤثر في النقد بكافة أنواعه وأعرافه ومدراسه النقدية. فالنقد هو الوجه الآخر للإبداع الأدبي دراسة وتحليلاً وتفسيراً. وقد ظهر في مقابل النقد الأدبي المتعارف نقداً أخر تطلب ظهوره جملة من التغيرات الطارئة في مجالات الحياة والتطورات التكنولوجية ووسائل التواصل والصحافة الحديثة والإلكترونية، وهذا النقد الذي أطلق عليه (النقد الصحافي) لعب دوراً لافتاً في مجال النقد من خلال المقالات الصحفية عبر المجلات والملاحق الأدبية سواء عبر الصحافة الورقية او الالكترونية. والنقد الصحفي هو نقد ذو وتيرة سريعة وخاطفة يتطرق لبضع جوانب من النص، ويختلف عن النقد الأدبي في أن الأخير شمولي ومتكامل لجميع جوانب النص، بينما يتناول النقد الصحافي عنصراً أو بضع عناصر من النص - كبنائه أو لغته أو صوره وأخيلته – ويمر على النص مروراً خاطفاً.
ولو تطرقنا إلى الجانب الإيجابي لهذا النقد سيما عندما يكون الناقد الصحافي متمكناً من نقده، موضوعياً في طرحه، نجد أن هذا الجانب يتمثل في إعطاء نبذه نقدية سريعة عن النص في ظل عولمة السرعة والعجلة المفرطة التي أصيب بها التلقي والمتلقي أدباً ونقداً على حد سواء، علاوة على النشر المتعدد للنصوص النقدية، وهنا بإمكان النقد الصحافي أن يُفعل المشهد الثقافي والأدبي والإبداعي، ويكون وسيطاً إيجابياً بين النص وكاتبه من جهة والمتلقي بمختلف فئاته وقراءته من جهة أخرى.
في حين يمثل هذا النقد جانباً سلبيا إذا ما تم التعامل معه بطريقة عشوائية اعتباطية تتأثر بالذاتية والمجاملات وصالونات (الصداقات والشللية ) التي طغت على الساحتين الأدبية والنقدية، والتي نتج عنها نصوص نقدية ضعيفة التحليل والدراسة ذات أحكام جزافية وآراء ذاتيه لا سند لها، لتظهر لنا سلبيات المحابة والمجاملة لهذا الإنتاج الإبداعي، من جهة أخرى يظهر لنا ظاهرة غض النظر عن جوانب جودة النص أو مميزاته، إذا ما كان النقد الصحافي انتقامياً غرضه تصيد الأخطاء والنيِل من كاتب النص وإحباطه وتشويه إبداعه، سيما وقد ظهر على الساحة الثقافية الأدبية والنقدية العربية ظاهرة تصفية الحسابات عبر النقد السلبي للإعمال الأدبية بغرض التشويه والمحاربة سواء النقد الذاتي من قبل الناقد الصحافي أو النقد المأجور بغرض الانتقام من طرف ما معادي للكاتب، هنا يغضُ الناقد النظر عن النقاط الإيجابية في النص، ويركز على المآخذ الموجودة، من دون أن يستند في نقده على معايير واضحة، ومقاييس متعارف عليها بل تعسفاً وقلة دراية، فالنقد الصحافي يجب أن يتحلى بالشروط والمعايير النقدية، حتى لا ينتج نقداً جزافيا اعتباطيا وذاتياً فتحيد مهمته عن مسارها، ويعمل على تشويش المتلقي وتشويه الكاتب وفقد الثقة سواء بالكاتب أو الناقد. ونتيجة للسلبيات السابق ذكرها نجد أن النقد الأدبي الأكاديمي يشن هجوماً على النقد الصحافي ويتهمه بالسطحية والتسرع والمجازفة وإطلاق أحكام لا تستند على معايير واضحة، تبتعد عن الموضوعية وتهدف إلى التشهير والتجريح وتعسف النص وكاتبه، وتخطي نقد النص بجمالياته ومتنه إلى الخوض في سيرة الكاتب الشخصية وإسقاط النص على كاتبه بمختلف مواضيعه سيما الشعورية والعاطفي والنفسية وغيرها، والتركيز على جوانب صغيرة وممارسة السفسطائية المفرطة والحذلقة وإنتاج نقد يستند على الآراء الشخصية والذاتية وظهور علاقة توتر وخصومة ومهاترات. وهذا هو السبب الرئيس في استياء بعض الأدباء والكتاب من النقد الصحافي، وهنا يتضاءل دور النقد بشكل عام والنقد الصحافي على وجه الخصوص.
وخلاصة القول إن النقد الأدبي العربي بشقيه الأكاديمي المتخصص والصحافي يعاني كل منهما فالنقد الأكاديمي يعاني من ضآلة دوره الإعلامي والوصول إلى شرائح واسعة من الجمهور – على عكس النقد الصحافي المنتشر عبر وسائل التواصل- فيقل دوره وتأثيره رغم أكاديميته وتخصصه ، في حين يعاني النقد الصحافي من نظرته السطحية للنتاج الأدبي وتسرعه في إصدار الأحكام وذاتيته غير المعللة مما يفقد مصداقيته ودوره الإعلامي ، فعلى النقد بشقيه استيعاب دور الأديب المتمثل في تقديم نتاجاً أدبياً إبداعياً، بينما يتمثل دور الناقد في أن يقرأ ذلك النتاج وينقده من خلال التفسير والشرح والتحليل والتقييم الوسطي المتوازن بلا مديح مفرط ولا ذم مجحف.
ومن منطلق البحث عن حلول لما سبق ذكره على وسائل الإعلام والمنصات الإلكترونية ووسائل التواصل بمختلف أنواعها الموازنة والتوازن في استهداف النقاد سيما الأكاديميين وتمكينهم من التواصل مع جمهور أوسع وضمان التواصل الفعال مع شرائح مجتمعية متعددة ومختلفة؛ لتقديم نتاجهم النقدي، وعمل مناظرة نقدية بين النقد الأكاديمي والنقد الصحافي وعلى المتلقي أن يحكم على جودتهما وموضعيتهما وبهذه الخطوة نضمن للنقد الأدبي بنوعيه الأكاديمي والصحفي الاستمرارية والفعالية وتقديم أدواره على أكمل وجه.


النقد الأدبي / الصحتفي / المعوقات / النهوض


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع