الدكتور سعد سلمان المشهداني


الصورة الذهنية للعربي في الإعلام الغربي

أ.د سعد سلمان عبد الله المشهداني | Prof. Dr : Saad Salman Abdallah ALmishhdani


10/12/2019 القراءات: 4902  


تصدى بعض الكتاب والباحثين العرب لاستجلاء صورة الإنسان العربي عند الغرب، ولم يخفوا تلك المرارة التي استشعروها جراء وقوفهم على التفاصيل التي تبتعد عن الدقة الموضوعية في كثير من الأحيان، والتي تعود إلى الصورة الجاهزة في الذهن الغربي عموما عن العرب، الأمر الذي يدفع إلى ضرورة رفض هذه الصورة السلبية عن العرب وتبيان تناقضها وعدم موضوعيتها.
وترجع الصور السلبية عن العرب في العالم الغربي ابعد من عصرنا الحاضر، اذ ان تلك الصورة تحدد بفضل مجموعة من العوامل التاريخية لعل أهمها الحروب الصليبية بين مسيحيي أوروبا ومسلمي مصر والمشرق العربي وما نتج عنها من تشويه للصورة العربية في أوروبا، إضافة إلى محددات دينية تشمل نظرة الغرب الى الدين الإسلامي، وخاصة بعد الفتوحات الإسلامية في أوروبا، والتي أثارت عداء العالم المسيحي، بالإضافة الى المحددات الثقافية والتي تتضمن القصص التي تعرضت للعرب مثل: الف ليلة وليلة، والتي ُتظهر العربي او المسلم في صورة البدائي المؤمن بالخرافات والشهواني في علاقته بالمرأة والجنس "الحريم" إضافة الى مذكرات الرحالة والمكتشفين الغربيين الذين زاروا بعض المناطق العربية ووصفوا العرب بالمخادعين واللصوص والكذابين، إضافة الى الأفلام السينمائية التي دارت حول شخصيات واحداث عربية تركزت حول ثراء امراء النفط والخيانة والإرهاب، ثم هناك المحددات الفكرية التي تشمل المؤلفات والكتابات التي تعرضت للتاريخ العربي والحضارة العربية او تلك التي تحدثت عن الشخصية العربية، وهي مؤلفات كان لها تأثير كبير في الغرب وفي وعي المواطن الغربي، والتي وصفت العربي بذلك المنافق المتقلب العنيد والذي يرفض التعاون مع الاخرين ويشك في الغير ولا يطيع اية سلطة.
ان هذه الأراء تميل الى الاطلاق والتعميم، إذ ُتقدم العربي كنموذج مجرد له سمات مطلقة كالتعصب او التخلف دون ادخال عنصر النسبية التاريخية، او عنصر الظروف الاقتصادية والاجتماعية والتاريخية في التحليل، ومن الطبيعي ان تتكون صورة سلبية عن اي شعب اذا ما جمعت سلبياته فقط وقدمت بالطريقة التي يتم بها تقديم العرب والصراع العربي الاسرائيلي.
أن النمطية أو الأحكام المسبقة والصور القبلية هي المسبب للتصور الخاطئ عن العرب ولإساءة فهمهم، يمكننا أن نفهم الصمت الدولي تجاه إسرائيل وسلوكياتها إذا قرأنا ما يكتب عن إسرائيل في الكتب المدرسية الغربية، وما يصبّ في عقول الأطفال من تشويه للحقائق عن العرب وإسرائيل، كذلك يمكننا أن نفهم وبسهولة حماس المواطن الغربي لضرب العراق وأفغانستان وايران، إذا فهمنا أن وسائل الإعلام الغربية تبذل قصارى جهودها في تهويل الأمور وتشويه الحقائق المتصلة بالمنطقة، وتسليط الضوء فقط على هذا البلد ونسيان أو تناسي الحديث عن أمور أخرى، وبذلك نجد أن المظاهرات تقوم في الغرب مطالبة بإسقاط النظام العراقي مثلا وكأن بقاءه يشكّل خطرا كبيرا على الغرب والعالم.
لا يمكننا النظر إلى صورة العرب في الغرب بشكل منفصل عن الصراع العربي الإسرائيلي حول فلسطين، وبذلك لا يمكن أن يعالج موضوع العلاقات والمواقف آلا من خلال التأثير المتبادل الذي يتركه أطراف الصراع على بعضهم بصورة متداخلة ومعقدة. يقول إدوارد سعيد: (إن أي عربي اليوم لا يمتلك الشخصية التي لا تعي الوجود اليهودي في ذاتها أو يمكنها من استبعاد اليهودي كعامل نفسي في الشخصية، كما اعتقد بأنه لا يمكن لأي يهودي أن يتجاهل العربي بشكل عام، أو أن يتبحّر في تراثه القديم إذا حاول تجاهل الوجود العربي الفلسطيني ومما تعرّض إليه على يد الصهيونية) وإذا لا يمكن تقديم تحليل لصورة العرب في الغرب(الإرهابيين،العدوانيين) يكون وافيا وموضوعيا، دون إجراء مقارنة بما ينشر عن إسرائيل (التي حولت الصحراء إلى جنة).
تجدر الإشارة هنا أن للصهيونية باعها الطويل في تكوين هذه الصورة المشوهة عن العرب، وذلك بما تقيمه من نشاطات كبيرة متنوعة كإقامة المعارض التي تشوّه الحقائق التاريخية والقاء المحاضرات وعرض الأفلام السينمائية ذات التوجه الصهيوني وتنظيم المؤتمرات المؤيدة لإسرائيل، وكل نشاط من شأنه أن يقدّم إسرائيل بصورة الدولة الديمقراطية التي تحتضن اليهود الناجين من المذابح النازية والمهددّين من جيرانهم العرب، والذين تشبههم الدعاية الصهيونية "البربوجاندا" بالنازيين والرومان الذين قتلوا اليهود في "الماسادا".
ُيذكر أن مفهوم الغرب هنا محدد بالولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا الغربية فقط، في حين تذهب بعض الدراسات إلى اعتبار استراليا واليابان جزءا من الغرب أيضا، أما كلمة عرب هنا فليس المقصود بها العرب الذين يعيشون في أرجاء الوطن العربي فقط، بل أيضا العرب المنتشرون في أوروبا الغربية وأمريكا الشمالية، مع التباس الخلط بين كلمة عرب وكلمة إسلام، والتي تتداخل مع كلمة عرب بحيث يبدو التمييز بينهما صعبا.
إن الصور المقولبة هي التعبير اللفظي لاقتناع موجّه إلى العرب، وهي تبدو حكما يمنح العرب بعض الصفات أو يمنع عنهم صفات محددة، أو طرقا مسلكية معينة بطريقة مبسطة تعميمية غير مسوّغة ومغلفة بقيم عاطفية، ومن الناحية اللغوية فانه يمكن التعبير عن ذلك بكلمة واحدة: إرهابيين، مثلا. هذا ويعزو البعض نشوء هذه القوالب والصور إلى مجموعة من الأسباب، منها، وسائل الأعلام من سينما وتلفزيون وراديو وصحف ومجلات ومسرح، ثم التربية والثقافة والدراسات والاستشراق والصهيونية والمصالح السياسية، أو الدين والعقيدة.


صورة الإنسان العربي، الصورة الذهنية


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع