مدونة سعد رفعت سرحت


لماذا لم يحرّم الإسلام العبوديّة؟.رؤية اجتماعية.

سعد رفعت سرحت | Saad Rafaat sarhat


24/05/2022 القراءات: 6716  




أ ليس من التناقض أن نتحدّث عن( الحرية في الإسلام) في ظل وجود نظام ثابت ومستمر للرقّ والعبودية ؟.


على الرغم من الدعوات التي تنادي بإلغاء نظام العبودية ،ما يزال هذا النظام ذا فاعلية كبيرة في كثير من المجتمعات الإسلامية ،مثل مناطق في مصر و موريتانيا وأثيوبيا وغيرها، أليس هذا يتضارب مع الحرية التي يتكلّم عنها الإسلام ؟.


في دراسته عن الفقر يذهب العالم السوسيولوجي (أوسكار لويس) إلى أن الفقر ليس حالة طارئة و إنما هو ثقافة ثابتة لدى الكثير من الطبقات الاجتماعية ...و قد طرح (أوسكار لويس) هذا الرأي عند دراسته في مجموعة من الأحياء الشعبية في المكسيك،إذ وجد أن هناك طبقاتٍ شعبيةً تتكيف مع الفقر حتى و إن زاد الدخل المالي عندها !.


فالفقر ليس مجرد العوز و الحاجة و النقصان في الموارد ،و إنما هو ثقافة راسخة لدى فئات من الناس لهم دخول كافية تغنيهم عن الذل والهوان ،لكنهم للأسف متأقلمون مع حياة العوز ،فهم يتظاهرون بالفقر حتى عندما تتحسن حالاتهم ، لأنهم يعدون الفقر ثقافة .


وعندما نقول إن الفقر ثقافة،فهذا يعني أنه قدر مكتوب و ثابت لا يمكن تغييره أو حله بسهولة،لأنه مسألة حتمية و ليس حالة عارضة تطرأ على فئة من الناس عند افتقارهم إلى ضروريات العيش أو العجز عن تحقيق مستوى معيشي جيد،فالفقر ثقافة خاضع لقانون حتمي،على الرغم من أنّه يمكن معالجته و تحسين أحوال المعيشة عند من يعانيه.


يومًا بعد آخر تزيد قناعاتي بآراء أوسكار لويس،فمع شدّة الفرق بين الفقر والعبوديّة،إلّا أنّ رؤية أوسكار لويس تتناغم مع موقف الإسلام من العبوديّة.

الإسلام دين واقعي ،لا ينظر إلى الإنسان بمنظور مثالي مجرّد ،الإسلام عمل و فاعلية تعيش على الأرض ،فاعلية تنزل الناس منازلهم وتريد لهم على قدر طاقتهم وعلى قدر ما يريدون .



أ تدري أنّ إلغاء العبودية فيه إساءة للعبيد أنفسهم،أتدري أن أكثر الناس ضررًا بإلغاء نظام الرق والعبودية هم العبيد ، إنّ عتق العبد وتحريره أوقع عليه من القتل... ثمّ إنّ المجتمعات التي ألغت نظام الرق و العبودية كانت و ما تزال تلاقي مشكلات إجتماعية تتعلّق بكيفية تكييف العبيد مع الأحرار ،بالنظر إلى أنّ العبيد لم يألفوا الاستقلال، بل اعتادت نفوسهم على التبعيّة والانقياد .


العبودية يا إخوتي من أكثر الأنظمة خضوعًا لشروط إعادة الانتاج ،فبينما تضع المجتمعات المدنية عن العبيد إصرهم والأغلال التي كانت عليهم ليتحرروا ،فإذا بهؤلاء العبيد يعيدون إنتاج أنفسهم في ظلّ الحرية،فيعودون سيرتهم الأولى تحت مسمّيات مقبولة، وسلوكيات لو نظرت فيها بعمق لوجدت أنها استمرار و تجميل لسلوكيات العبيد.


الإسلام ،لذلك،لم يحرّم العبودية،أمّا المجتمعات الإسلامية التي غضب الله تعالى عليها فأطلقت دعوات إلغاء هذا النظام،كان الله تعالى لهم بالمرصاد حتى أراهم وأذاقهم بأس العبيد.


إنّ المجتمعات الإسلامية التي حررت العبيد انتهى أمرها الى أن أصبحت مجتمعات عبديّة خالصة،ذلك أن الله تعالى أبى إلّا أن يصيبها بداء العبودية الذي استغرق كيان الأمة بأكملها،وذلك جزاء مَن خالف سنن الله تعالى في خلقه.


نكاد نجزم جميعًا بأن إلغاء العبودية ليس سوى حبر على ورق ،و اسم بغير مسمى،فالعبودية لا تستغني عن نفسها بسهولة،لأنها ببساطة ليست ثقافة، بل هي ناموس كوني و قانون حتمي،نعم قد يغيّر العبد ثيابه،نعم قد يتطاول في البنيان،ولكنّ لا يلبث يعيد انتاج نفسه.


لماذا لم يحرم الإسلام العبودية


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع