مدونة عبدالحكيم الأنيس


فوائد سَنية من التعليقات الدَّبَانية

د. عبدالحكيم الأنيس | Dr. Abdul Hakeem Alanees


30/06/2024 القراءات: 833  


كانت لشيخنا الشيخ عبدالكريم الدَّبَان التكريتي رحمه الله تعالى على مختاراته العلمية والأدبية والتاريخية بعضُ التعليقات النافعة، وهذه طاقة منها:
قالوا: أكثر ما يُفسد الناسَ نصفُ متكلّم، ونصف فقيه، ونصف نحوي، ونصف طبيب؛ الأول يُفسد الأديان، والثاني يُفسد البلدان، والثالث يُفسد اللسان، والرابع يُفسد الأبدان!
قال شيخنا: الكلامُ: علم العقائد وما يتعلق بها، فإذا كان المتكلم ناقصَ المعرفة ضل وأضل، ومِنْ مواضيع الفقه: الأحكام، فإذا كان الفقيهُ ناقص المعرفة حكم أحكامًا باطلة جائرة، مما يلحق الضرر بالناس، أما عن النحوي والطبيب فالأمر فيهما واضح.
***
قال الشنشوري ما خلاصتُه: إن امرأة ولدتْ اثني عشر ولدًا في بطن واحد، ولما علم بذلك حاكمُ البلد استدعاها وأولادها معها، ثم ردَّهم عليها إلا واحدًا أخفوه عنها. ولما خرجتْ إلى فناء القصر افتقدته، فصاحتْ صيحة عظيمة، فقيل لها: أليس في الأحد عشر كفاية؟ قالت: ما صحتُ أنا، بل صاحتْ أحشائي التي ربوا فيها!
وقال شيخنا الدَّبَان: بعد انتشار الصحف والإذاعات اللاسلكية صرنا نقرأ ونسمع كثيرًا من الغرائب من هذا النوع، وقبل مدة قصيرة سمعنا مِنْ بعض المحطات اللاسلكية أنَّ امرأة ولدتْ خمسة عشر مولودًا في بطن واحد .
***
وقال رحمه الله: سعيد بن جبير من موالي بني أسد، وهو تابعي عالم بالحديث والتفسير. التحق بابن الأشعث الخارج على الحجّاج، ثم فرّ إلى مكة، فقبضوا عليه وأتوا به إلى الحجّاج فقتله سنة (95). وفي المجلد السادس من طبقات ابن سعد بحث ذلك. وذكر ابنُ خلكان في "الوفيات" مناقشة طويلة على أنها جرتْ بين سعيد والحجّاج عندما أمر بقتله. وهي فيما أرى أقربُ إلى الوضع منها إلى الصحة. ولم يذكر ابنُ سعد شيئًا من ذلك مع شدة عنايته بأحوال التابعين، وهو مع ذلك مِن قدماء المؤرخين فقد توفي سنة (230).
ثم وجدتُّ في كتاب "الإمامة والسياسة" لعبد الله بن مسلم الدينوري المناقشة المذكورة، ولكن في الكتاب المذكور غثٌّ وسمينٌ .
***
وقال رحمه الله: الشافية: اسم كتابٍ دقيق في الصرف، وقد عُني به العلماء دراسة وشرحًا، كما عُنوا بالكافية وهي في النحو، والكافية والشافية كلتاهما لابن الحاجب.
***
وقال الدلجي في كتابه "الفلاكة والمفلوكين" في ترجمة التاج الكندي (زيد بن الحسن المقرئ النحوي الأديب الشاعر. توفي سنة 613) أنه كان يبتاعُ الملابس الخليعة ويتجرُ بها إلى بلاد الروم.
وقال شيخنا: الخليعة أي القديمة البالية، وقد حدث في زماننا عكسُ هذا؛ صرنا نستورد الملابس الخليعة من الإفرنج ونبيعها لمواطنينا!
***
وذكر الخطيبُ البغدادي (ونقله ابنُ كثير): أنه كان يُباع في بغداد أيام المنصور: الكبش بدرهم، والحَمَل بأربعة دوانق، ويُنادى على لحم الغنم كل ستين رطلًا بدرهم، والزيت ستة عشر رطلًا بدرهم، والسمن ثمانية أرطال بدرهم، والعسل عشرة أرطال بدرهم.
وقال شيخنا الدبان: الدانق: إنْ ذُكر مع الدنانير فهو سدسُ الدينار، أو مع الدراهم فهو سدس الدرهم.
والرطل: مئة وثلاثون درهمًا تقريبًا. أي (450) غرامًا تقريبًا.
ثم قال: في الثلاثينات مِن هذا القرن (العشرين الميلادي) أدركنا الكيلو من اللحم (الضأن) يُباع باثني عشر فلسًا، والتمر الزهدي بفلس واحد، والسمن (الدُّهن الحر) بخمسين فلسًا، والرز (العنبر) بثمانية أفلاس، وكل رغيفين من الخبز الجيد بفلس واحد، وكل بيضتين بفلس واحد، والدجاجة بخمسة وثلاثين فلسًا، والكيلو من السكر (القند الجيد) بثلاثين فلسًا، والخروف بأربعة دراهم، والعجل بخمسة إلى ستة دراهم.
***
وقال بدر الدين العيني (محمود بن محمد العالم المحدّث والفقيه المشهور. تولى القضاء بالقاهرة، له مؤلفات كثيرة. وكتابه المذكور يدل على علمه وفضله. توفي سنة 855) في كتابه "عمدة القاري في شرح البخاري" عند شرح الحديث الذي فيه: ".. فَرُبَّ كاسيةٍ في الدنيا عاريةٍ في الآخرة"، قال: "وهذه البلوى عامةٌ في هذا الزمان (أي في النصف الأول من القرن التاسع الهجري)، ولا سيما في مصر، فإن الواحدة منهن تتغالى في ثمن قميص إما مِن عندها أو بتكليف زوجها، حتى تفصّل قميصًا بأكمام هائلة وذيل سابغة جدًّا منجرة وراءها أكثر من ذراعين. وكلٌّ من كميها يصلح أن يكون قميصًا معتدلًا. ومع هذا إذا مشتْ يُرى منها أكثر بدنها مِن نفس كميها!".
وقال شيخنا: ما عساه يقولُ لو شاهدَ ما حصلَ في زماننا، فهذه ثيابُ النساء اليوم قد وصلتْ إلى درجة الفضاحة، فقد ذهبت الأكمامُ مطلقًا، وتقلصت الأذيالُ حتى ارتفعتْ عن الرُّكب، وانكشفت الجيوبُ عن الصدور، وما انكشفَ عن الظهور أكثر، ولا ندري إلى أية حالةٍ يصل الأمرُ بعد الآن وهو يتطورُ بسرعة. ولله في خلقه شؤون.
***
ونقلوا عن النسابة أبي المنذر الكوفي (هشام بن محمد: صاحب كتاب جمهرة أنساب العرب، ولم يكن ثقة فيما يُروى. توفي سنة 209) أنه قال: حفظتُ ما لم يحفظه أحد، ونسيتُ ما لم ينسه أحد! كان لي ابن عم يعاتبني ويلح عليّ أن أحفظ القرآن، فدخلتُ البيت وحلفتُ لا أخرج منه حتى أحفظه، فحفظته في ثلاثة أيام! ونظرتُ في المرآة لآخذ من لحيتي فقبضتُ عليها لأقص ما تحت القبضة فقصصتُ ما فوقها!
وقال شيخنا: كذا في المصادر التي ترجمتْ له، وهو بعيدٌ، إلا أن يكون المقصود أنه أتمّ حفظ ما لم يكن حفظه قبل ذلك.
***
وقال عن الصناعات اللفظية:
اهتم الكتّابُ والشعراءُ في العصور المتأخرة بالزخارف اللفظية وبالغوا في ذلك، فأتعبوا أنفسَهم حتى كادوا يُهملون جانب المعنى. نظموا أبياتًا جميع حروفها مهملة، وأبياتًا جميع حروفها معجمة، وأبياتًا كلمة منها مهملة وكلمة معجمة، وأبياتًا حرف منها مهمل وحرف معجم، وأبياتًا تُقرأ طردًا وعكسًا، وأبياتًا إذا قُرِئتْ طردًا كانت مدحًا وإذا قُرِئتْ عكسًا كانت هجاء.
وقد اطلعتُ على تفسير للمفتي الحمزاوي جميعُ حروف كلمات التفسير مهملةٌ، والتفسيرُ هذا مطبوع.
ثم قال: ومِنْ ذلك ما نظموا ممّا يُكتب بحروفٍ منفصلةٍ، كقول بعضهم:
إذا أمَّ دارَك راجٍ أزلْ ... أذاهُ ودعْ ذمَّ أوزارهِ
وزوِّده إنْ رامَ زادًا وإنْ ... أردتَ ودادَ أخٍ دارهِ
***


عبدالكريم الدبان. تعليقات. تحقيقات.


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع