مدونة وسام نعمت ابراهيم السعدي


مظاهر العالمية في الحقوق الأسرية ومبرراتها

د. وسام نعمت إبراهيم السعدي | DR.Wisam Nimat Ibrahim ALSaadi


05/08/2022 القراءات: 1188  


مظاهر العالمية في الحقوق الأسرية ومبرراتها
الأستاذ المساعد الدكتور وسام نعمت إبراهيم السعدي/ كلية الحقوق - جامعة الموصل/ wisamalsaad@uomosul.edu.iq
يقدم البعض لفكرة العالمية لحقوق الإنسان من خلال حديثه عن إن فكرة العالمية في مجال حقوق الإنسان هي الأساس في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، والتي على أساسها انتقلت تلك الحقوق من مجرد شأن من الشؤون الداخلية لتصبح جزءً من القانون الدولي. وتاريخ حقوق الإنسان وتجارب الأمم المتحدة وممارساتها ومن قبلها عصبة الأمم تؤكد عالمية الحقوق، كما أن جميع الدول الأعضاء في الأمم المتحدة ولمجرد انضمامهم إلى المنظمة الدولية ألزموا أنفسهم بمبدأ عالمية الحقوق الواردة في ميثاق هذه المنظمة وفي الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الصادر عنها، ومن هنا اتخذت العالمية في مجال حقوق الإنسان أهمية خاصة نابعة من التأطير العالمي لها.
والمدخل الأول للتأطير العالمي لحقوق الآسرة تجسد في حقيقة أن الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1948 لم يقتصر على الحقوق والحريات العامة ذات الصلة بالمجالات الفكرية والعقائدية والسياسية والقضائية والقانونية، بل تناول في أحكامه قواعد موجهة لحماية الحقوق الاجتماعية والأسرية، حيث قرر بأنها الوحدة الطبيعية الأساسية للمجتمع ، ولها حق التمتع بحماية المجتمع والدولة، وضمن حق التزوج للرجل والمرأة في السن المقررة دون أي قيد بسبب الجنس أو الدين وضمن للزوجين حقوق متساوية عند الزواج وأثناء قيامه وانحلاله مؤكداً وجوب تحقق رضا الطرفين رضاءً كاملاً لأجل إبرام عقد الزواج.
في مؤتمر فينا عام 1993 برز على الصعيد الدولي النقاش حول وجود نوع من التقابل بين عالمية حقوق الإنسان وخصوصية الواقع الاجتماعي والثقافي في الكثير من البلدان، وتبين أثناء عمل اللجنة التحضيرية للمؤتمر والتي استغرقت ثلاث سنوات ، إن العديد من دول العالم الثالث ومن بينها عدد من الدول العربية تميل إلى الدفاع عن الخصوصية ليس فقط من حيث الحفاظ على التنوع الثقافي والاجتماعي والحضاري فحسب ، بل أنها حاولت أن تستخدم هذا الموضوع لتبرير الإبقاء على بعض الانتهاكات القائمة فيها في مجال حقوق الإنسان.
ومن أنصار العالمية في مجال حقوق الإنسان ظهرت بعض الاتجاهات التي تكرس في التقرير الصادر عن منتدى المنظمات الدولية غير الحكومية المنعقد على هامش مؤتمر فينا (المؤتمر العالمي لحقوق الإنسان لعام 1993)، حيث كشف التقرير حجم التباين الحقيقي بين المجالات الثقافية والسياسية والقانونية للجوانب الخاصة بالعالمية والخصوصية حيث نص التقرير على انه :( لقد تم التأكيد وبما لا يدع مجالاً للشك على أن كل الحقوق الإنسانية عالمية في طبيعتها وهي قابلة للتطبيق بشكل متساوٍ في إطار شتى التقاليد الاجتماعية والثقافية والقانونية والادعاءات القائلة بالنسبية لا يمكن أن تبرر انتهاك حقوق الإنسان في أي ظرف من الظروف).
وهناك من يربط ما بين عالمية حقوق الإنسان وعولمة هذه الحقوق، ولعل أوسع التعاريف انتشارا للعولمة هو ما جاء في كتاب " العولمة " للباحث الأمريكي " رونالد روبيرثسون "، حيث عرف العولمة بأنها "اتجاه تاريخي نحو انكماش العالم، وزيادة وعي الأفراد والمجتمعات بهذا الانكماش" . ويضع السيد ياسين ثلاثة عمليات تكشف حقيقة العولمة: العملية الأولى تتعلق بانتشار المعلومات بحيث تصبح مشاعة لدى جميع الناس، والثانية تتعلق بتذويب الحدود بين الدول، أما العملية الثالثة فهي زيادة معدلات التشابه بين الجماعات والمجتمعات والمؤسسات.
والعالمية في الحقوق الأسرية لا تعني عولمة تلك الحقوق فالعالمية في هذه الحقوق تعني الالتزام في هذا المجال بالمفاهيم التي اقرها المجتمع الدولي وتعني أن هذه الحقوق هي وحدة واحدة وكل لا يتجزأ بمعنى أن تكون هذه الحقوق متداخلة ومترابطة ويقف احدها جنباً إلى جنب مع سائر الحقوق الأخرى، وفي نفس الوقت العالمية في إطار هذه الحقوق لا تسعى للتقليل من سلطة الدولة كفلسفة عامة، فالعالمية تكتفي بوضع التزامات معينة على الدول وهي تحتاج لاحقاً إلى سلطة الدولة لتنفيذ هذه الالتزامات. أما العولمة في هذا المجال فتعني تعميم مفهوم حقوق الإنسان بمنظور وإطار ثقافة معينة وهي ثقافة المجتمع الأمريكي باعتبارها ثقافة الأمة التي انطلقت منها هذه الفكرة سعياً للسيطرة على سائر الثقافات الأخرى وإلغائها ، وبالتالي فان العولمة تحد من دور الدولة وسلطاتها لتضعف تأثير الحدود السياسية وتطلق العنان لآليات السوق ولأدواتها الأخرى التي تمثل عناصرها الأساسية.


حقوق الانسان - العالمية - الحقوق الاسرية


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع