(قُلْ)الفعل القرآني الذي يؤكد ذاته بذاته
سعد رفعت سرحت | Saad Rafaat sarhat
14/07/2022 القراءات: 516
وفق رؤية تداولية لا يتوقّف التوكيد اللفظي على التكرير المحض للفظة الواحدة،لأنّ للعربِ طرقًا أخرى في التوكيد اللفظي تعتمد تقانة الاقتصاد بدلًا من تكرار اللفظ،ومن ذلك أنّ العرب تُلحق علامة التثنية بالفعلِ أمارةً على التكرار،كقوله تعالى(ألقيا في جهنّمَ كلّ كفار عنيد)أي: ألقِ ألقِ،وعندها أدت ألف الاثنين دورا في تأكيد الأمر بأقل لفظ،وعليه قول امرئ القيس:(قفا نبكِ...) فالمراد: (قفْ قِفْ).و كذا تلحق العرب ُواو الجماعة إشعارًا بالتكرار كقوله تعالى(قال ربّ أرجعونِ)أي: أرجعني،ولكن حين أراد التكرار بأقل اللفظ أسند الفعل إلى واو الجماعة فقال(أرجعونِ) ليكون المعنى: أرجعني أرجعني أرجعني(راجع شرح الزوزني للمعلقات)
أمّا مع (قُلْ) فالأمر مختلف،إذ يؤكد(قلْ)نفسه بنفسه على أكثر من صعيد،فهو يؤكد ذاته مع لحظة التبليغ حين لقّن جبريل الرسول صلى الله عليه وسلم،ويؤكد ذاته أيضًا مع كلّ تلاوة،ذلك أنّ الأمر لا يتوقف عند الرسول صلى الله عليه وسلم وهو المقصود الأول و المتلقي الأول للقرآن،وإنّما يتجاوزه ليتأكد الأمر ويثبت مع كلّ قراءة،فمع كلّ تلاوة ثمة متلقٍ غائب، وقد لحظ ذلك ابن خالويه حين قال:((إذا قال القائل:"قلْ لا إله إلّا الله"وجب أن تقول:"لا إله إله إلا الله"ولا تَزِدْ "قلْ" ...فما وجهُ ثبات الأمرُ في"قلْ"؟. فالجواب أنّ التقدير:"قل يا محمد قلْ هو الله أحد،وقلْ يا محمد قل أعوذ بربّ الناس،فقال النبي كما لقنه جبريل عليه السلام عن الله عزّ وجلّ)){ابن خالويه،إعراب ثلاثين سورة،سورة الصمد}.
وعلى هذا كان (قلْ) من لحظة نزول الوحي توكيدًا ل(قلْ) آخر سيأتي لاحقًا،و أيضًا مع كلّ تلاوة نكون إزاء توكيد فعلٍ محذوف تقديره(قلْ)،وإذا كان ذلك،فإنّ في (قُلْ) توكيدين: الأول توكيد صريح والثاني توكيد ضمني،وبعبارة أخرى:عند التلفظ ب"قل" يكون فعلا كلاميا صريحًا ،وحين يكون مقدّرا يكون فعلا كلاميا متضمنًا في القول،ففي ذاته يضمر هذا الفعل أضعافه(فلْيقولوا:قلْ)،
يضاف إلى ذلك أنّ لهذا الفعل حضورًا لافتًا في الآيات التي فيها إقرار بوحدانية الله تعالى و وجوبها،لا سيّما حين يكون المقصود الأول به الرسول صلى الله عليه وسلم، وإذا كان"قلْ" أمرًا من الله تعالى،فلا شكّ في أنّ مقول القول حقيقة ربّانيّة مؤكّدة.
قُلْ فعل يؤكد ذاته بذاته
يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع