مدونة الاستاذ الدكتور مقتدر حمدان عبد المجيد


رسالة مسألة الغنائم للشيخ تاج الدين الفركاح

الاستاذ الدكتور مقتدر حمدان عبد المجيد الكبيسي | Prof. Dr. Muqtadir Hamdan Abdul Majeed


01/06/2020 القراءات: 2487  


التعريف بالرسالة وموضوعها وأهميتها :
درجت النظم العسكرية المطبقة في العالم بما فيها البلاد الإسلامية ، ومفردات علم المالية العامة التي تدرس في جامعات العالم كله على الأخذ بمبدأ عدم قسمة الغنائم على المقاتلين ، وتعد كلها اموالاً عامة منوطة بتصرف ولي الأمر ، وغالباً ما تضم إلى معدات الجيش وذخائره وآلياته وتخصص للعمليات الحربية.
وقد انتهى المؤلف – في اجتهاده – إلى ان التصرف في الغنائم متروك لما يراه الإمام ( ولي الأمر ) حسب المصلحة . وهذا ما طُبق في صدر الإسلام .
ومع ان ما طرحه تاج الدين الفركاح يُمثل حلاً لمشكلة كانت قائمة في عصره فقد قوبل من بعض فقهاء ذلك العصر وما بعده بالمعارضة ولكنهم لم يصفوا ما انتهى اليه بانه قول شاذ ، ولا استنكروا ما اختاره من راي متميز .
وقد احتاط المؤلف لنفسه حين اثبت في البداية ان المسألة خلافية ، أي لا مساغ فيها للإنكار ، وانها ليست اجتهاد في مورد النص ولا خرقاً للإجماع ، فهو هنا يقر بوجود خلاف كان قائماً في صدر الإسلام حول هذه المسألة . ويبدو لي ان سبب المعارضة لرأيه من قبل بعض فقهاء عصره ان الشافعية كانت ترى ان من واجب الإمام اخذ خمس الغنيمة وتوزيع الأربعة أخماس الباقية على المقاتلين ، ورأي الفركاح وهو شافعي مخالف لرايهم لذا كان من الطبيعي ان يواجه معارضة منهم . وما فطن هؤلاء المعارضين ان الماوردي (ت450ه) الشافعي قال ان عمر بن الخطاب رضي الله عنه استطاب نفوس الجند فتنازلوا عن حقهم برضا منهم واختيار .
والمهم في الأمر ان أهمية هذه الرسالة تكمن في أنها نموذج للاجتهاد الجزئي في مسألة مؤصلة في المدونات الفقهية لكن جرى العمل على خلافها ، وفي إنها إضافة علمية بأدلة وحجج ومناقشات تحترم ما تقرر في أصول الفقه وتستند إلى ما طبق في السيرة النبوية في الغزوات ، وما جرى عليه الأئمة الراشدون بعدئذ في الفتوحات ، وهي فضلاً عن ذلك ، تحل مشكلة عملية تطبيقية ، إذ تأتي بالتصحيح لتصرفات الأئمة منذ عهود طويلة على ما تقرر في باب الغنائم من شتى كتب الفقه ، وفيها المخرج الشرعي .
وفي هذا تطبيق للقاعدة التي يكثر الفقهاء الإشارة اليها ، مثل قول ابن نجيم : ( يجب تصحيح التصرف ما امكن ) . وقول الكاساني : ( يجب الحمل على الصحة ما امكن ) ، ونحوه قاله ابن قدامة ، وقال الونشريسي : ( وما جرى به عمل الناس ، وتقادم في عرفهم وعاداتهم ينبغي ان يلتمس له مخرج شرعي ما امكن ، على خلافٍ أو وفاق ) .
ولتوضيح أهمية هذه الرسالة نقول ان من خصائص الشريعة الإسلامية ، ان ترسم للناس الطريقة المثلى التي عليهم ان يسلكوها في التصرفات الخاصة والعامة فأنها تشتمل على حلول لما يقع من ممارسات أصبحت مألوفة ، ولا يترتب عليها خروج عن المسلمات الشرعية وان كانت في منظور الوضع المثالي غير راجحة بل ربما توصف بانها مما انفرد به بعض الفقهاء . وقد توصف أقوالهم بانها شاذة . والمراد هنا بالشذوذ مخالفة ما عليه جمهور الفقهاء ، وليست شذوذاً عن مقتضى الاجتهاد .
وقد تجلى هذا فيما سبق ذكره من نصوص كبار الفقهاء من شتى المذاهب ، في الحث على تسويغ ما جرى عليه العمل اذا لم يتعارض مع صحيح نصوص الشريعة وصريحها ، ولم يترتب عليه أضرار معنوية ولا مادية ، ولا هو ذريعة يؤدي لبعض أسباب الخطر كالجهالة والضرر والغبن والربا ، ... الخ . وقال احد الباحثين المعاصرين : ان الأحكام غير التعبدية تتغير بتغير المصلحة .
ان هذا المنهج يحقق نفعاً معنوياً واضحاً يتمثل في إبقاء المسلم ضمن دائرة المباح ، وعدم الحكم عليه بارتكاب المحرم مما قد يجعله يستسهل الاستمرار أو التكرار بدلاً من ان يظل في اطار الشرع .
موقع الرسالة بين الفقهاء المعاصرين للمؤلف :
أ ) معارضة النووي لراي المؤلف :
ذكر السخاوي في ترجمة الإمام النووي ان النووي رد على فتوى الفركاح في المغانم ، وشدد في المسألة ، في حين يرى ابن تيمية ان المؤلف عارض الجويني والنووي ... والواقع ان المؤلف هو البادئ بطرح رأيه الخاص في المغانم ، وبعدئذ عارضه النووي وغيره ، وليس العكس .
ب ) موقف الجويني ( والد إمام الحرمين ) :
وهو متوافق مع ما راه النووي . وقد أورده ابن تيمية مقترناً بالنووي بما يوهم انه عارض الفركاح ، مع ان ابن الجويني قبله بقرنين ونصف واكثر . حيث قال ابن تيمية : ( افتى بعض الفقهاء كابي محمد الجويني والنووي ... فعارضهم أبو محمد بن سباع ) .
وواضح ان الإشارة إلى معارضة المؤلف للجويني ليست بمعنى المعارضة المألوفة ، بل هو تجاوز في التعبير من ابن تيمية ، فالمقصود هو الاختلاف في الراي .
ج ) معارضة ابن تيمية لرأي المؤلف :
لقد أطال ابن تيمية النفس في مسألة الغنائم ، في سياق حديثه عن الحلال والحرام ، وحكم تملك الغنائم التي لم تقسم . هذا ، وابن تيمية – على الرغم من عدم قبوله رأي المؤلف – فقد اخذ به ضمناً عند جوابه عن دخول الشبهة في أموال العامة لعدم قسمة الغنائم .


الغنائم


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع