مدونة الباحث/محمد محمد محمود إبراهيم


تزايد نسبة الأفهام الخاطئة في هذا الزمان

باحث /محمد محمد محمود إبراهيم | MOHAMED MOHAMED MAHMOUD IBRAHIM


28/12/2022 القراءات: 219  


✍️تزايد نسبة الأفهام الخاطئة في هذا الزمان
يعجب الناظر في أحوال المسلمين في هذا الزمان، والملاحِظ لصلتهم بالقرآن وتعاملهم معه، من أمر غريب، وهو تزايد نسبة الأفهام الخاطئة لمعاني آيات من القرآن، وتزايد نسبة الاستدلالات المرفوضة من الآيات، والأحكام الباطلة التي بنوها عليها، والتحريفات لبعض المفاهيم القرآنية.
آيات من القرآن يحرِّفون معانيها ومفاهيمها لتشهد لهم على أخطائهم السياسية، أو الاقتصادية، أو الاجتماعية، أو السلوكية، أو الفنيَّة، أو التعليمية، أو العلمية، أو الثقافية، أو النظرية، أو العملية، إلخ.
منهم من يعتمد على آية في أخطائه في العقيدة والإيمان، أو في الفقه والأحكام، أو في التشريع والنظم. ومنهم من يعتمد على آية -أو آيات- في تزيين القعود عن أداء الواجب، وضعف الهمَّة، وخور العزيمة، وسقوط الإرادة. ومنهم من يعتمد على آية في متابعته لهواه ومزاجه وميوله وانحرافاته ورغباته. ومنهم من يعتمد على آية في تضييع الحق وإخفاء معالمه، أو في نصرة الباطل وتأييده والدعاية له.
ومنهم من يعتمد على آية في تأييد الظالمين، وموالاة الفاسقين، والضعف أمام الكافرين. ومنهم من يعتمد على آية في جبنه وذلِّه وضعفه واستعباده. ومنهم من يعتمد على آية في إجازة البغي، ونصرة الظلم، ومباركة الطغيان. ومنهم من يعتمد على آية في مباركة النفاق والانتهازية والمصلحية.
ومنهم من يعتمد على آية في محاربة الحق وأهله، وإيذاء واضطهاد حملته وأنصاره، بل وفي قتل هؤلاء وإعدامهم.
كثيرٌ من الفروض والواجبات ضيَّعها محرفون في هذا الزمان، واعتمدوا فيها على تحريفهم لمعاني الآيات. كثيرٌ من الحلال المطلوب اعتبروه حراماً ممنوعاً، اعتماداً عليها. كثيرٌ من الأباطيل والأخطاء والمعاصي والفواحش أصبحت مطلوبةً في هذا الزمان. كثير من الحرام أصبح مطلباً وأملاً لكثيرين أيضاً.
أقبل هؤلاء المحرفون لمعاني الآيات على القرآن، وبحثوا فيه عن آيات يمكن أن يحرِّفوا معانيها لتشهد لهم، تعاملوا مع القرآن بخلفية مسبقة، ونيَّة خبيثة محددة، ودخلوا عالمه الرحيب بمزاجية ومصلحية وهوى.
انطبق عليهم في نظرتهم لآيات القرآن قول الله تعالى: {أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللهِ أَفَلا تَذَكَّرُونَ}.
وانطبق عليهم ذم القرآن لليهود، في تعاملهم مع أنبيائهم وكتبهم، بمزاجيةٍ وهوى، قادهم إلى التحريف والتزوير والرفض والمعاداة و " القرطسة "، فنالوا بذلك غضب الله واستحقوا عذابه، وخرجوا من دينه.
لقد ذم الله يهود في تحريفهم لمفاهيم كتبهم، وفي تجزئتها وتقسيمها وقرطستها، بحيث قسَّموها إلى أقسام، آمنوا ببعضها وكفروا بالآخر، وقرطسوها إلى كتب، أظهروا بعضها وأخفوا الآخر. ذم الله فعلهم بقوله: {أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْكُمْ إِلَّا خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ}.
وبقوله تعالى: {قُلْ مَنْ أَنْزَلَ الْكِتَابَ الَّذِي جَاءَ بِهِ مُوسَى نُورًا وَهُدًى لِلنَّاسِ تَجْعَلُونَهُ قَرَاطِيسَ تُبْدُونَهَا وَتُخْفُونَ كَثِيرًا}.
وهاتان الآيتان -وأشباههما- تنطبقان على مسلمين معاصرين، حرَّفوا مفاهيم القرآن، وقسَّموه إلى أقسام، آمنوا ببعضها وكفروا ببعض، وقرطسوا القرآن، فأخفوا بعض موضوعاته التي لا تُرضي الظالمين والمعتدين، وأظهروا بعضها مما يوافق هواهم ومزاجهم.
لا يريد هؤلاء المحرِّفون -ولا أسيادهم من الظالمين- بيان مدلولات الآيات ذات الأبعاد السياسية والاجتماعية أو الاقتصادية، تلك التي تتحدث عن الجهاد، وتحدِّد الصلة بالأعداء، وتتكلم عن السلم والحرب، والعزة والذلة، والحكم والتشريع، والألوهية والحاكمية.
لا مانع عند هؤلاء -وأسيادهم من الظالمين- سماع وإسماع وتفسير الآيات، التي تتحدث عن الثواب والعقاب والجنة والنار، والصلاة والزكاة، والذكر والصوم والحج.
قرطسوا القرآن، فأظهروا بعضه، وأخفوا الكثير من معانيه. وجزَّءوا القرآن، فآمنوا ببعضه، وكفروا بالكثير من معانيه.
وطُمِس على قلوب هؤلاء وبصائرهم، ووصلت الفتن إلى قلوبهم وسيطرت عليها، وأصبحوا يتحركون بقلوب مفتوفة، لا تعرف معروفاً ولا تنكر منكراً، إلا ما يوافق مزاجها وهواها وشهواتها.
أصبح الواحد من هؤلاء، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيما رواه عنه حذيفة بن اليمان رضي الله عنه: " لا يعرف معروفاً، ولا ينكر منكراً، إلا ما أُشْرب من هواه " (1).
...
__________
(1) رواه مسلم. انظر جامع الأصول 10: 22


تزايد نسبة الأفهام الخاطئة في هذا الزمان


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع