مدونة عبدالحكيم الأنيس


حديث عن العلم والطلب للشيخ عبدالمجيد شقلاوة

د. عبدالحكيم الأنيس | Dr. Abdul Hakeem Alanees


17/11/2021 القراءات: 1914  




في يوم (10 /3 /1987م) ألقى الشيخ عبدالمجيد المدرس (شقلاوة) في المعهد الإسلامي العالي لإعداد الأئمة والخطباء ببغداد هذه الكلمة:
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي جعل العلماء ورثة الأنبياء، ورفعهم درجات وجعلهم أئمة الهدى إلى مرضاة الله، والصلاة والسلام على سيدنا محمد المصطفى القائل "مَنْ يرد الله به خيرًا يفقهه في الدين"، وعلى آله وأصحابه، والمتأدبين بآدابه إلى يوم الدين.
أما بعد: فيا أيها الأساتذة المشايخ الكرام:
قبل كل شيء أحيط سيادتكم علمًا بأنني كأقل خادم لكم وللطلاب والعلم والدين، وليس مِنْ قابليتي مخاطبتكم بكلمتي هذه، ولكن كلفني أحد الأخوة الذي لا يسعني مخالفة أمره بكل حال، ولهذا أخاطب سيادتكم وكلي خجلٌ وأقول:
أيها الأساتذة الكرام:
أنتم ورثة الأنبياء، أنتم منهل الإرشاد والخطباء، أنتم الدعاة المسئولون يوم تُدعى كل أمة بإمامها، فمِن واجبكم وواجب الجميع بعد إخلاص النية أن تشكروا الله تعالى أن أراد بكم خيرًا بمنحكم الشهادات العالية، والتفقه في الدين، وجعلكم مطمع العناية للإسلام والمسلمين، ولا يخفى على سيادتكم أن الشكر لا يؤدَّى إلا بما يناسب الشاكر، فشكرُ الفقير باللسان، وشكرُ الغني بمساعدة الفقراء والأرامل والأيتام، وشكرُ العالم كأمثالكم ببذل العلم والتوجيهات إلى أربابه من الطلاب بكل شفقة، وحل مشكلاتهم بطلاقة الوجه، واللين، وبذل النصيحة حول الورع والتقوى فيما يُفتون به ويُرشدون به المسلمين، وحول التمسك بأحد المذاهب الأربعة التي هي كالأنهار الجارية من الكتاب والسنة، فكيف يصح لمن لم يبلغ درجة الاجتهاد التي هي كالمستحيل في زماننا أن يَخرج منها؟ ولقدْ تلقاها بالقبول مَنْ لا يأتي الزمانُ بمثلهم مِنَ العلماء والمحدِّثين كأصحاب الكتب الستة وغيرهم قبل أكثر مِنْ ألف سنة، وقد قال صلى الله عليه وسلم: "لا تجتمع أمتي على ضلالة".
هذا بالنسبة إلى سيادتكم، وأرجو مِن سماحتكم العفو والتطبيق، ومن الله تعالى السداد والتوفيق.
وأما بالنسبة إلى الطلاب فأقول:
أيها الطلاب الأعزاء، أيها الأبناء النجباء، اشكروا الله تعالى أَنْ هداكم، وسلك بكم طريق العلم والتعلم، طريق الخطابة والإرشاد، طريق الجنة ورضاء رب الأرض والسموات، طريق الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكرات.
أيها الأخوة:
لا يخفى على سيادتكم وأنتم -إن شاء الله - من العلماء العاملين، ومن الخطباء والمرشدين، ما جاء من شرف التعلم والطالبين من الآيات القرآنية، والأحاديث المحمدية، وآثار السلف الصالحين.
قال الله تعالى: (هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون).
وقال الرسولُ الأعظم صلى الله عليه وسلم: "إنّ الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم رضىً بما يصنع".
وعن علي: كفى بالعلم شرفًا أن مَنْ لا يحسنه يفرح به إذا نُسِبَ إليه، وكفى بالجهل ذمًّا تبرءُ مَنْ هو فيه منه.
كما قيل: فلله درُّ العلم ومَنْ به تردى، وتعسًا للجهل ومَنْ في أوديته تردى.
وقال عطاء: مَنْ أراد الدنيا فعليه بالعلم، ومَنْ أراد الآخرة فعليه بالعلم.
وعن معاذ بن جبل: تعلَّم العلم فإنَّ تعلمه لك حسنة، وطلبه عبادة، ومذاكرته تسبيح، والبحث عنه جهاد، وتعليمه مَنْ لا يعلمه صدقة، وبذله لأنه قربة.
وقال الشافعي: مَنْ لا يحب العلم لا خير فيه، فلا يكن بينك وبينه معرفةٌ ولا صداقة.
وقال: طلبُ العلم أفضل من صلاة النافلة.
ليس بعد الفرائض أفضل من طلب العلم، ولا يجوزُ الخروجُ للجهاد بغير إذن الوالدين، ولكن لطلب العلم يجوز.
وقال النووي: إنَّ الاشتغال بالعلم مِنْ أفضل الطاعات، وأولى ما أنفقت فيه نفائس الأوقات.
وقال أحمد بن رسلان:
والعلم أسنى سائر الأعمال فهو دليل الخير والإفضال
وفيما ذُكر كفاية لشرف العلم وأهله.
أيها الأعزاء:
إنَّ كل طالب يحتاج أشد الحاجة في توفيقه ونجاحه ووصوله إلى إسعاد مرامه إلى ثلاثة أشياء:
أولها وأهمها: إخلاص النية.
وسائرُ الأعمال لا تخلصُ إلا مع النية حيث تخلصُ
فينبغي أن ينوي كلُ عاملٍ في عمله -وخاصة طالب العلم في طلبه- رضاءَ الله تعالى، وإزالة الجهل عن نفسه وعن سائر الجهال، وإبقاءَ الإسلام والدين بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، مِن نفسه ومتعلقاته، ومِن الغير بقدر الإمكان، وينبغي أن يجتنب عن الحقد، ويحترز عن التكبر في الاستفادة من الأساتذة بكل أدب واحترام، ومن زملائه بكل محبة ومودة وابتسام، والحقدُ والتكبرُ من أكبر الآفات البشرية عامة، ولطالب العلم خاصة، وأخبث الكوابيس التي تخيِّم على كثير منا، بالكبر طُرد إبليس من رحمة الله، والتكبر رأسُ كل نقص وبليات.
والثاني من أسباب التوفيق التي تجب مراعاتها والاحتفاظ بها دائمًا: المحبة والأدب مع الأساتذة بأنواعهم.
وقيل لأبي حنيفة: بم وصلتَ إلى ما وصلتَ من العلم؟ فقال: بالأدب مع الأستاذ.
وكفانا ما جرى بين سيدنا موسى والخضر.
والثالث من أسباب التوفيق: الدوام على الدراسة بكل شوق وجد، ولا يضيع أوقاته النفيسة فيما لا يعني.
حُكي أنّ طالبًا أُخبر بوفاة والده فاختار درسَه على حضور جنازته.
كما حُكي أنّ طالبًا سأل أستاذه: هل في الجنة الدراسة؟ فوقف الأستاذ ثم قال: نعم فيها ما تشتهيه الأنفس، فقال الطالب: لو قلتَ: لا، لاخترت جهنَّم مع الدراسة على الجنة بلا دراسة!
هكذا كان الشوق والمحبة من الذين وصلوا إلى الدرجات العلا، فكيف بطلاب العلم اليوم؟
فيهم مَنْ يتأخر عن درس أو دروس، أو يأخذ الإجازة لدرس أو دروس، أو ليوم وأيام، وربما لغير داعٍ وضرورة، ولا يتفكر أن هذا خسران في عمله، وضياع في عمره.
فأرجو مِنَ الإخوة الطلاب الأعزاء أن يراعوا ما جاء في الفقرات الثلاث بحسن النية والإنصاف، ثم أرجو من سماحتكم العفو والتطبيق، ومن الله السداد والتوفيق.
أيها السادة:
إنّا كلنا بأشد الحاجة يوم لقاء ربنا إلى ثلاثة أشياء: العلم، والعمل، وأكل الحلال، لكن العلم بلا عمل كشجرةٍ بلا ثمر، والعمل بلا علم كأخذ الماء، بالغربال والمنخل، والعلم والعمل مع أكل الحرام كالرقم على الماء


طلب العلم. الأدب. الهمة.


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع


وهناك تتمة لم يمكن نشرها لتحديد النشر بعدد معين من الكلمات. كما أني اضطررت لحذف بعض الكلمات.


ما شاء الله. أسأل الله أن يرزقنا الهمة العالية والأدب الرفيع في طلب العلم.


رحمه الله تعالى برحمته الواسعة واحسن إليه كانت حياته للعلم ولم يسع الى شهرة ومناصب ودنيا.