مدونة الدكتور محمد محمود كالو


الحلول النبوية لآفة العنصرية

الأستاذ الدكتور محمد محمود كالو | Prof. Dr. Mohamed KALOU


25/07/2022 القراءات: 854  


الحلول النبوية لآفة العنصرية
لقد اعتنى النبي صلى الله عليه وسلم بمكافحة العنصرية، وعالجها بمعالجة مسبباتها وذلك لمنع وقوعها في المجتمع المسلم، وذلك من خلال أمور:
أولاً: تصحيح المفاهيم والمعتقدات، إذ تقوم فكرة العنصرية على أساس تفاضل عرق أو لون أو جنس على غيره، وهو نابع من ميل الإنسان لمن يحب، لذلك جاءت النصوص النبوية لتؤسس قاعدة راسخة ثابتة وهي أن أصل البشر مرده إلى أب واحد، وخلقهم من مادة واحدة، فهذا رسول الله صلَّى الله علَيهِ وسلَّمَ خطبَ النَّاسَ يومَ فتحِ مَكَّةَ، فقالَ: (يا أيُّها النَّاسُ، إنَّ الله قد أذهبَ عنكم عُبِّيَّةَ الجاهليَّةِ وتعاظمَها بآبائِها فالنَّاسُ رجلانِ: برٌّ تقيٌّ كريمٌ على الله، وفاجرٌ شقيٌّ هيِّنٌ على الله، والنَّاسُ بنو آدمَ، وخلقَ الله آدمَ من الترابِ، قالَ الله: يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ الله أَتْقَاكُمْ إِنَّ الله عَلِيمٌ خَبِيرٌ) [رواه الترمذي].
ثانياً: التحذير من مصير وعاقبة أتباع العنصرية في الدنيا والآخرة، إذ الاعتزاز بصنف بشري على الآخر والتعالي عليه فيه هدر لكثير من الطاقات البشرية والتي من شأنها الرقي بالأمم وتطوير الحضارات، كما فيها من تشتيت الجهود وتمزيق لوحدة الأمة والذي هو صمام الأمان للمجتمع من التناحر والاقتتال، ولهذا شبَّه النبي صلى الله عليه وسلم متَّبع العنصرية بذنب البعير الذي لن يفيد قومه بشيء، فقال عليه الصلاة والسلام: (مَن نصَرَ قومَه على غيرِ الحقِّ ، فهو كالبعيرِ الذي تردَّى ، فهو ينزعُ بذَنَبِه) [رواه أبو داود وأحمد].
أي أن الذي نصر قومه بالباطل هَلَك كالبَعيرِ الذي وقع في البِئرِ؛ لأنَّه أوقَع نفسَه في الإِثْم والهلَكَة بتِلك النُّصْرةِ الباطِلةِ، والعصبيَّةِ المقيتةِ؛ حيثُ أرادَ الرفعةَ بنُصرةِ عَصَبتِه، فوقَع في أسفَلِ بِئرِ الإثمِ؛ فلا يَنفعُه، كما لا يَنفعُ البعيرَ نزْعُه عن البِئرِ بذَيلِهِ.
ثالثاً: تفعيل دور الإعلام في محاربة آفة العنصرية؛ لما له من أهمية كبيرة في بث الأفكار بين الناس وتصحيح مفاهيمهم، والقدرة على كشف الزيف عن الباطل ومؤيديه، وقد رسخ النبي صلى الله عليه وسلم ذلك من خلال ما نادى به في حجة الوداع، والتي كانت بمثابة الدستور الذي أعلن عنه في ذلك الوقت، حيث أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ خَطَبَ أصحابَه في حَجَّةِ الْوَداعِ في أوْسَطِ أيَّامِ التَّشْريقِ فقال: (يا أيُّها الناسُ إنَّ ربَّكمْ واحِدٌ ألا لا فضلَ لِعربِيٍّ على عجَمِيٍّ ولا لِعجَمِيٍّ على عربيٍّ ولا لأحمرَ على أسْودَ ولا لأسودَ على أحمرَ إلَّا بالتَّقوَى إنَّ أكرَمكمْ عند اللهِ أتْقاكُمْ) [رواه أحمد].
رابعاً: تشريع القوانين والعقوبات الرادعة لمثيري آفة العنصرية والعصبية الجاهلية، فقد أشار النبي صلى الله عليه وسلم إلى ذلك بقوله: (لَيْسَ مِنَّا مَنْ دَعَا إِلَى عَصَبِيَّةٍ ، وَلَيْسَ مِنَّا مَنْ قَاتَلَ عَلَى عَصَبِيَّةٍ ، وَلَيْسَ مِنَّا مَنْ مَاتَ عَلَى عَصَبِيَّةٍ) [رواه أبو داود].
وحينما سب أبو ذر عبداً من العبيد وعيَّره بأمه نَهره النبي صلى الله عليه وسلم نهراً شديداً، فعَنِ الْمَعْرُورِ بْنِ سُوَيْدٍ ، قَالَ : رَأَيْتُ أَبَا ذَرٍّ بِالرَّبَذَةِ ، وَعَلَيْهِ بُرْدٌ غَلِيظٌ ، وَعَلَى غُلاَمِهِ مِثْلُهُ ، قَالَ : فَقَالَ الْقَوْمُ : يَا أَبَا ذَرٍّ ، لَوْ كُنْتَ أَخَذْتَ الَّذِي عَلَى غُلاَمِكَ، فَجَعَلْتَهُ مَعَ هَذَا فَكَانَتْ حُلَّةً، وَكَسَوْتَ غُلاَمَكَ ثَوْبًا غَيْرَهُ، قَالَ: فَقَالَ أَبُو ذَرٍّ: إِنِّي كُنْتُ سَابَبْتُ رَجُلاً، وَكَانَتْ أُمُّهُ أَعْجَمِيَّة، فَعَيَّرْتُهُ بِأُمِّهِ، فَشَكَانِي إِلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ: يَا أَبَا ذَرٍّ، إِنَّكَ امْرُؤٌ فِيكَ جَاهِلِيَّةٌ، قَالَ: إِنَّهُمْ إِخْوَانُكُمْ، فَضَّلَكُمُ الله عَلَيْهِمْ، فَمَنْ لَمْ يُلاَئِمْكُمْ فَبِيعُوهُ، وَلاَ تُعَذِّبُوا خَلْقَ اللهِ) [رواه البخاري ومسلم].
وهكذا سنت السنة النبوية جملة من الحلول للحد من العنصرية والعصبية المقيتة المنتنة، فكل هذه النصوص وغيرها يؤكد أن العصبية في الإسلام مرفوضة، وأن الحكم على الأشياء لا يكون إلا بمعايير شرعية ثابتة.
ولله در الشاعر حين قال:
لعمُركَ ما الإنسان إِلا بدينهِ
فلا تتركِ التقوى اتكالاً على النَّسَبْ
فقد رفعَ الإسلامُ سلمان فارسٍ
وقد وَضَعَ الشِّرْكُ الشريفَ أبا لهبْ


الحلول النبوية، العنصرية، العصبية، الجاهلية، آفة


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع