مدونة عبدالحكيم الأنيس


أقوال أهل الأدب في النسبة إلى الذهب (مقال في التسلية والإحماض)

د. عبدالحكيم الأنيس | Dr. Abdul Hakeem Alanees


21/07/2022 القراءات: 573  


(كتب إليَّ الأخ الصديق العالم الأديب البارع عمر بن عبدالعزيز العاني سؤالًا، فأجبتُه، فبعث صورة فيها: (ألف شكر)، فأرسلتُ إليه صورةَ قلبٍ ذهبيٍّ، فرد قائلًا: (وكان قلبه من ذهب)، فعلقتُ على ردِّهِ بهذا المقال)
(كان قلبه من ذهب)، ولهذا عُرف بالذهبي...
وهناك أقوالٌ أخرى أعرضُ لبعضها:
ومن ذلك أنه قيل له الذهبي: لأنه يصوغ الذهب قلائدَ وأسورة.
وقال بعضهم: بل ورث لقب أبيه، وكان صائغًا في سوق الصاغة.
وقال محققٌ: بل لُقب بهذا لأنَّ لكلامه بريقًا كالذهب.
وردَّ آخر: بل لأنه أدمن قراءة كتب الإمام الذهبي فنُسب إليه، كما قيل المنهاجي والفصيحي.
ولم يرتض هذا مطلعٌ فقال: بل لأنه يسكنُ محلة الذهبية.
وناقشه آخر فقال: ليس كذلك، بل لأنه كثير شراء الذهب لزوجه وبناته.
فقال آخر: ما سمعنا بهذا، وإنما هو ذهبي، ولم نعرفْ سبب تلقيبه به.
فقال آخر: بل لأنه كان يأتي إلى المدرسةِ مِن جهة سوق الذهب، فكتبَه الناظرُ: الذهبي؛ لعدم معرفتهِ باسمه. كما قيل في سبب لقب القرافي.
فقال آخر: لقد أبعدتم النجعة، وإنما هو ذهبيٌّ لأنه كان يميز بين الصحيح والخطأ كما يقوم الذهبي بتخليص الذهب من النار وإخراج الغش منه.
وقال آخر: بلغني أنه عمل مدة في خيوط الذهب التي يُقال لها زرشته.
وقال آخر: بل لأنه كان يُكثر مِن وصف ما يعجبُه من كلامٍ بالذهب.
وقال آخر: بل لأنه كان يمثلُ في أهل طبقته العصر الذهبي.
وقال آخر: الذي نُمِيَ إلينا أنه عُـرف به لأنه ابتكرَ وضعَ صورةِ قلبٍ ذهبيٍّ في الرموز (إيموجي).
وردَّ هذا آخرون وقالوا: بل لقبُه أقدمُ من هذه المخترعات، ولم نزلْ نعرفه به.
وقال آخرون: لا مانع من اجتماع أكثر من سبب.
فقال بعضهم: نعم، ولكن لا بد من معرفة السبب الأول.
فقال آخر: بلغني أنه قال لصاحبٍ له: بع العَتبة واشتر ذهبة. فعكس المثلَ الشائعَ فقيل له: الذهبي تنكيتًا.
وقال آخر: بل لأنه كان يُوصي أصحابه فيقول: اكتم ذهبك، وذهابك، ومذهبك.
فقال آخر: على هذا كان ينبغي أن يقال: الذهبي، والذهابي، والمذاهبي.
فرد القائلُ بأن هذا لا يلزم، ويُمكن التلقيب بجزءٍ من القول، وأنَّ النسبة تكون لأدنى إضافة.
واقترح بعضُهم مراجعة كتب "الأنساب" للسمعاني، وابن الأثير، والسيوطي.
فقال مَنْ راجعها: إن السمعاني لم يذكر سوى سببين، وتابعَه ابن الأثير، والسيوطي، ولم يخرجا عما قال. ثم إنَّ زمن السمعاني قبل زمن مَن نبحث فيه، فلعله لا يندرج فيما ذكره.
وقال آخر: هذه مسألة محيرةٌ، والأولى عندي عدمُ الخوض فيها.
وقال آخر: لم التكلف يا قوم، وما يضيرنا ألا نعرف السبب؟
وقال آخر: دعوها حتى نسأل صاحب اللقب في الآخرة.
فقال آخر: بل الحاجةُ ماسةٌ إلى معرفته الآن، فإن قومًا من الذهبيين أنكروا نسبته إليهم.
وقال مؤرخ متثبت: لا عبرةَ بإنكارهم، ولا دليل على مدعاهم، فلا نثبتُ ولا ننفي.
وقال آخر: الذهبيون كثيرٌ.
وقال آخر: إنما هو ابنُ الذهبي، ثم خُفف.
فقال مَن سمعه: هذا لا يحلُّ الإشكال، ونعود فنسأل: لم قيل لأبيه: ذهبي؟
وقال بعضُ المتتبعين: لعله نُسب إلى كتاب "شجرة الذهب في معرفة أئمة الأدب" لعلي بن فضال المجاشعي، ولعله كان على صلة به قراءةً، أو نسخًا، أو إعجابًا، أو بيعًا، أو تحقيقًا، أو طبعًا.
فقال آخر: هذا احتمالٌ يقابله أنه كان يبحث في حياة السلطان المنصور الذهبي، فأعجب به فلقب نفسَه بلقبه.
وفي هذه المعمعة قال أحدهم: ألا يحتمل أن يكون اللقب مصحفًا عن الذهني أو الدهني؟
فقال خبير بالنسخ والمخطوطات: لا يحتمل هذا وقد رأيته مجودًا محققًا بخط مَن يوثق به من النساخ الثقات غير المتربحين بالباطل.
وكان في القوم حلبيٌّ فقال: كان عندنا قبرٌ لرجل صالح يعرف بالذهبي في مكان قرب قلعة حلب، ونُسبت إليه بناية فقيل لها: بناية الذهبي، وحمّامٌ فقيل: حمّام الذهبي، فهل ترى هناك علاقة بين صاحبكم وبين هذا الرجل الصالح؟ أو أنه سكن في بنايته أو تردد على ذلك الحمّام؟ غير أننا نقلب الذال في حلب دالًا، والله أعلم.
فقال دمشقيٌّ: لقد دخل صاحبُنا حلب ولكنه لم يطل مقامه فيها، فمن المستبعد هذا الاحتمال.
وشارك باحث دبويٌّ فقال: لعله نال "الإقامة الذهبية" فقيل له الذهبي.
فقال عراقيٌّ: هنيئًا له إنْ كان نالها، ولو كان كذلك لنَشر خبرًا في تويتر، أو على صفحته في الفيس بوك، أو على انستغرام، ولم نر خبرًا بهذا.
فقال قدسيٌّ: لعله تكتّم على هذا ذهابًا منه إلى أن كل ذي نعمة محسود، فأخذَ بالحزم.
ثم بدا لآخر رأي فقال: لعله ممن قيل فيه، أو يصح فيه قول الشاعر:
ذهبي اللون تحسبُ مِن ... وجنتيه النار تنقدحُ
ثم جرى عليه اللقب؟
فقال أديبٌ: أمّا قيل فيه فلا، فالبيت قديم، وأمّا أنه يصح عليه فنعم. ولكننا لا نملك دليلًا على هذا الاحتمال.
وقال بعضُ المؤرخين: لعل له صلةً ما بمحمد بن عبدالرحمن المخلص الذهبي (المتوفى سنة 393)، أو بأحمد بن عتيق الذهبي البلنسي الأندلسي (المتوفى سنة 601)، أو بالشاعر يوسف بن لؤلؤ الذهبي (المتوفى سنة 680)، أو بلاجين الذهبي (المتوفى سنة 848) صاحب: "تحفة المجاهدين في العمل بالميادين"، أو بعبدالرحمن بن محمد الذهبي المعروف بابن شاشو (المتوفى سنة 1128) صاحب: "روضة الخيال فيما وقع في الخال"، أو بمنصور الذهبي (المتوفى سنة 1280) صاحب "تحرير الدرهم والمثقال والرطل"، و"الكيل"، أو بمحمد بن سبيع الذهبي الحنبلي (المتوفى بعد سنة 1338)، أو بالدكتور الذهبي صاحب "التفسير والمفسرون"؟
فقال بعضُ الظرفاء: بل لعل له صلة بـ "السجل الذهبي للعالم العربي"، أو بكتاب "عصر العرب الذهبي" لفيليب طرازي، أو "الميزان الذهبي في الشعر العربي" لأرسانيوس فاخوري؟
فقال شخصٌ وقور: وما علاقة ما نحن فيه -هداك الله- بفيليب وأرسانيوس؟
هذا ما حضرني من أقوال لها حظٌّ من النظر، وفي سبب تلقيبه بهذا أقوالٌ أخرى أعرضنا عنها.
والراجحُ من ذلك كما قال الأستاذ عمر العاني -وهو خبير بالذهب-: لأنَّ قلبه كان من ذهب.
قلتُ: ولهذا عُرف بالذهبي، وهذا هو الحقُّ الذي لا محيد عنه.


التسلية والإحماض


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع