مدونة سعد رفعت سرحت


حضور العين في الخطاب الشفوي...شيء عن الإشمام

سعد رفعت سرحت | Saad Rafaat sarhat


31/07/2022 القراءات: 499  




حصر الشفويّ بالأذن و الكتابيّ بالعين تقسيمٌ جائرٌ،و السبب هو سعة مفهومي الشفاهية والكتابية اللذين يتضمنان بعضهما إلى حدّ بعيد،إذ لا يوجد خطاب شفوي خالص ولا خطاب كتابيّ خالص،والكلام في هذا الشأن يطول لأنّ أمثلته كثيرة سنتناولها في مناسبات أخرى، وهنا نكتفي بظاهرة الإشمام مثالًا على تعاور كلا المفهومين.


الإشمام:ضمّ الشفتين عند النطق بالساكن،أي تضم الشفتين و أنت تنطق بالحرف الساكن ولكن بلا صوت،وبعبارة أخرى:(تنطق بالساكن بضمّ شفتيك وكأنك تقبّل أحدًا)والإشمام يكون بالضمّ،فمع ضمّ الشفتين يستحيل الكسر والفتح،والى هذا يعلّل الانباري عدم جواز (الإشمام في حالة الجرّ) ،لأن ذلك يؤدي الى تشويه الحلق والخلقة.أمّا مع الفتح فمتعذّر لخفّتها


من أشهر أمثلته في الشعر تسكين الفعل(أشربْ)في قول امرئ القيس:


فاليومَ أشربْ غير مستحقِبٍ
إثمًا من الله ولا واغل


قيل عن هذا البيت الكثير،وخير ما قيل فيه جواز قراءته بالإشمام(إشارة بالشفتين الى الضمّ عند الباء)بلا صوت بحيث لا يضرّ بالوزن.


وفي القرآن الكريم (لاتَأمَنَّا)في قوله تعالى:(ما لك لا تأمنّأ على يوسف)


ففيها(لا) نافية،و(تأمن) مضارع مرفوع وليس مجزومًا،أصله (تأمَنُنا)ولكن اسْتُثقـلتْ لتوالي ثلاث أحرف غنّة متحركة(مَنُنَا) فسهلوها بتسكين النون الأولى (مَنْنَا)فأدغمت النونان وصارت (مَنّا)....


في المصحف الشريف إشارة إلى جواز قراءته بالإشمام و الرّوم.فبالاشمام تضم الشفتين و أنت تنطق بالنون ولكن بلا صوت(=تنطق بالنون وكأنك تقبّل أحدا).أمّا قراءتها بالروم، فباختلاس ضمة الرفع،أي تضمّ الشفتين وتظهر قليلًا جدًّا جدًّا من صوت الضمّة.


فالاشمام ظاهرة شفوية خالصة تؤدّى بالعين ولا دخل للصوت فيها،وكما يقول ابن جني: الإشمام إنّّما هو للعين لا للأذن،إذ ليست هناك حركة البتّة.


وممّا يعزّز حضور الإشمام في الثقافة الشفويّة ما أشار إليه أهل القراءات إلى امتناع الركون إليه في الخلوات وعند حضور العميان.


ملحوظة:القرآن الكريم كتاب مكنون، وحين تحدثت عن(خطاب شفوي)قصدت تلاوته وتلقيه في ظلّ ثقافة شفهية.


الاشمام _الخطاب الشفوي


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع