مدونة مولاي مصطفى المقدم


طرق التوثيق الإثباتية في المعاملات المالية والعقود الاجتماعية

أ.د. مولاي مصطفى المقدم | Research Doctor: moulay mustapha el mouqadim


24/11/2022 القراءات: 704  


طرق التوثيق الإثباتية:
التوثيق بالطرق الإثباتية في المعاملات والتصرفات المالية من بيع وكراء وغيرهما، وفي العقود الاجتماعية من نكاح وطلاق ونسب وغيرها يكون بالكتابة، وبالإشهاد، وبالأحكام القضائية.
أولا- التوثيق بالكتابة:
معنى الكتابة في اللغة: الجمع؛ لأنها تجمع حرفا إلى حرف وكلمة إى كلمة، وتأتي بمعى الخط، ومنه قوله تعالى: {وَمَا كُنتَ تَتْلُواْ مِن قَبْلِهِۦ مِن كِتَٰبٖ وَلَا تَخُطُّهُۥ بِيَمِينِكَۖ ... ٤٨}( ).
والتوثيق بالكتابة اصطلاحا: هو التسجيل الحرفي للعقود والتصرفات في كتاب؛ بهدف الحفاظ عليها من الضياع؛ نتيجة الجحود والنسيان( ).
وقد شرع الله التوثيق بالكتابة بآية الدين، قال الله تعالى: {يَٰٓأَيُّهَا اَ۬لذِينَ ءَامَنُوٓاْ إِذَا تَدَايَنتُم بِدَيْنٍ اِلَيٰٓ أَجَلٖ مُّسَمّيٗ فَاكْتُبُوهُۖ وَلْيَكْتُب بَّيْنَكُمْ كَاتِبُۢ بِالْعَدْلِۖ وَلَا يَابَ كَاتِبٌ اَنْ يَّكْتُبَۖ كَمَا عَلَّمَهُ اُ۬للَّهُ فَلْيَكْتُبْۖ ...}( ). فالأمر بالكتابة في الآية يفيد مشروعية التوثيق بالكتابة على وجه الاستحباب على ما يظهر أنه راجح من أقوال الفقهاء.
ويشترط في كاتب الوثائق سبعة شروط، وهي: أن يكون عدلا، متكلما، سميعا، بصيرا، عالما بفقه الوثائق، عارفا بنصوصها، سالما من اللحن الذي يغير المعنى( ).
قال مالك ¬: لا يكتب الوثائق بين الناس إلا عارف بها، عدل في نفسه مأمون؛ لقول الله تعالى: ﴿وَلْيَكْتُب بَّيْنَكُمْ كَاتِبُۢ بِالْعَدْلِۖ ﴾( )
وفي الغرناطية: «يعتبر في الموثق عشر خصال، متى عري عن واحد منها لم يجز أن يكتبها، وهي: أن يكون مسلمًا، عاقلًا، متجنبًا للمعاصي، سميعًا، بصيرًا، متكلمًا، يقظا، عالمًا بفقه الوثائق، سالمًا من اللحن، وإن تصدر عنه بخط بين يقرأ بسرعة وبسهولة، وبألفاظ بينة غير محتملة ولا مجهولة»( ).
وزاد غيره: أن يكون عالمًا بالترسيل؛ لأنها صناعة إنشاء، فقد يرد عليه ما لم يسبق بمثاله، وأن يكون عنده حظ من اللغة، وعلم الفرائض، والعدد، ومعرفة النعوت، وأسماء الأعضاء( ).
ثانيا- التوثيق بالإشهاد:
الإشهاد في اللغة: هو مصدر فعل: ©أشهد® يقال: أشهدته الشيء، واستشهدته طلبت منه أن يشهد، فيكون معنى أشهد واستشهد بمعنى واحد( )، وهما مشتقان من الشهادة بمعنى الحضور، والخبر القاطع البين، فتحصل لدينا ثلاث مصطلحات: الشهادة، والإشهاد، والاستشهاد.
أولا- معنى هذه المصطلحات:
 الإشهاد اصطلاحا: أن يُطلب من شخص فأكثر أن يشهد على أمر؛ ليؤدي الشهادة أمام القاضي حال الحاجة( ). ومن شواهده قوله تعالى: {وَأَشْهِدُوٓاْ إِذَا تَبَايَعْتُمْۖ ...}( ) يعني: أشهدوا على حقكم، إذا كان فيه أجل، أو لم يكن، فأشهدوا على حقكم على كل حال( ).
يقول ابن هُبَيْرَة (ت: 560ه) في حكم الإشهاد: ©واتفقوا على أن الإشهاد في المبايعات مستحب وليس بواجب، واتفقوا على أن النساء لا تقبل شهادتهن في الحدود والقصاص®( )، ويفهم من كلامه هذا أن الفقهاء اختلفوا في غير ذلك.
 الشهادة في اللغة: الإخبار بما شاهده وشهده والشهادة: المعاينة، وقوم شهود أي حضور.
و الشهادة في الاصطلاح الفقهي:©الشهادة هي إخبار عن عيان، بلفظ الشهادة، في مجلس القاضي، بحق للغير على آخر®.( ) وقيل أيضا: ©الشهادة هي الإخبار بلفظ الشهادة، يعني بقول: أشهد بإثبات حق أحد الذي هو في ذمة الآخر في حضور الحاكم، ومواجهة الخصمين، ويقال للمخبر: شاهد، وللمخبر له: مشهود له، وللمخبر عليه: مشهود عليه، وللحق: مشهود به®( ).
ثالثا- الأحكام القضائية:
الحكم الصادر من القاضي إما أن يكون حكما بالصحة أو حكما بالموجب، ويدخلان معا في النكاح وتوابعه، وفي سائر المعاملات المالية، كما قال ابن فرحون: ©وأمّا النِّكاحُ وتَوابِعُهُ فَدُخُولُ الحُكْمِ بِالصِّحَّةِ والموجبِ فِيهِ واضِحٌ، وكَذا سائِرُ المُعامَلاتِ ... يَدْخُلُها الحُكْمُ بِالصِّحَّةِ، والحُكْمُ المُوجِبُ®.( )
النوع الأول – الحكم القضائي بالصحة:
عرف الشيخ البُلْقِينِيُّ الحكم بالصحة بقوله: ©حقيقة الحكم بالصحة أن يقبل قضاء من له ذلك في أمر قابل لقضائه، ثبت عنده وجوده بشرائطه الممكن ثبوتها، أن ذلك الأمر صدر من أهله في محله على الوجه المعتبر عنده شرعًا®.( )
والحكم بالصحة يعد من أعلى مراتب الحكم، حيث يكون مضافا بعبارة: (لِيُسَجَّلَ بِثُبُوتِهِ، والحُكْمُ بِصِحَّتِهِ) أعني بصحّة ذلك العقد وقفًا كان أو بيعًا أو غيرهما.( )
ويشترط في هذا النوع من الحكم ثَلاثَةِ أشْياءَ: ثبوت الملك والحيازة، وأهلية التصرف، وصحة الصيغة.( )
النوع الثاني- الحكم بالموجب:
عرفه الشيخ العلامة سراج الدين البُلْقِينِيُّ فقال ما ملخصه: ©لحكم بالموجب هو قضاء المتولي بأمر ثبت عنده بالإلزام بما يترتب على ذلك الأمر خاصا أو عاما على الوجه المعتبر عنده في ذلك شرعا®.( )
ويشترط في الحكم بالموجب: أهلية العاقدين، ووجود الصيغة المعتبرة فقط، ولا يشترط فيه ثبوت الملك والحيازة( ).


طرق، التوثيق، الإثباتية:


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع