مدونة الدكتور محمد محمود كالو


تفسير المترفين وترف المفسرين ..!

الأستاذ الدكتور محمد محمود كالو | Prof. Dr. Mohamed KALOU


07/06/2022 القراءات: 616  


تفسير المترفين وترف المفسرين ..!

علم التفسير علمٌ يخص تفسير القرآن الكريم، والتفسير لغة: تدور مادته حول معنى الإيضاح والبيان والكشف مطلقاً سواء أكان هذا الكشف لغموض لفظ أم لغير ذلك.
التفسير اصطلاحاً: كشف معاني القرآن وبيان المراد منه، وهو أعم من أن يكون بحسب اللفظ أو المعنى المشكل وغيره.

وينقسم هذا العلم إلى أربعة أقسام، أخرج ابن جرير الطبري عن طريق سفيان الثوري عن ابن عباس رضي الله عنهما:
تفسير تعرفه العرب من كلامها.
وتفسير لا يعذر أحد بجهالته.
وتفسير يعلمه العلماء.
وتفسيرلا يعلمه إلا الله.

وظهرت اتجاهات متعددة في التفسير، فمنها: التفسير بالأثر، والتفسير بالرأي، والتفسير العلمي، والتفسير الاصطلاحي، والتفسير الموضوعي، والتفسير الإشاري، والتفسير الفقهي، وغير ذلك.
ولكن هناك أنواع من التفاسير يمكن أن يقال عنها بأنها تفسير المترفين أو ترف المفسرين؛ لا تليق بعظمة كتاب الله تبارك وتعالى، وهي تفاسير مشتملة على كثير من التعسُّف والتكلُّف يؤدي إلى لَيِّ أعناق الألفاظ، ومشْرَب بكلمات حوشية ووحشية، علاوة على كثير من الركاكة في التعبير.

من تفاسير هذا النوع: تفسير القرآن الكريم شعراً ونظمًا، يقول حاجي خليفة:
"وقد أنكر كثيرٌ من العلماء هذا النوع من النَّظْم؛ لأنه يؤدي إلى إخراجِ القرآن العظيم من نظمِه الشريف؛ لإدخاله في الوزن ما لم يكن من النَّظْم الشَّريف" [كشف الظنون؛ لحاجي خليفة: 1/ 454].
o نموذج من النَظْم [من تفسير سورة المسد] من كتاب: التيسير العجيب في تفسير الغريب لابن المُنَيِّر (ص: 234 ):
{تَبَّتْ} بمعنى خَسِرَتْ وخابتْ ** وأخطأت قطعاً وما أصابتْ
و{كَسَبَ} المرادُ كسْبُهُ الولدْ ** لم يُغْنِ عنهُ مالهُ ولا العددْ
و{الحَطَبُ} الشوكُ وكانت تُلقيهِ ** عند طريق المصطفى لتُؤذيهِ
وقيل بل تَنُمُّ بالأخبارِ ** تُوقدُ نارَ الشَّرِّ والشنارِ

o نموذج آخر أيضاً من كتاب: دلائل التبيان في نظم غريب القرآن، لقاسم بن الحسن بن موسى بن شريف آل محي الدين الجامعي العاملي النجفي، المتوفى سنة 1376 هـ:
وفَسَّروا {القثاء} بالخيارِ ** أو ما يُضاهيه من الأثمارِ
وقيل مطلق الحبوب {الفوم} ** أو قمح أو خبز وقيل الثوم
{بَاءُوا} بمعنى انصرفوا أو رجعوا ** وهي لغير الشَّرِّ ليست تُسمعُ
{وَالصَّابِئِينَ} من هم قد خرجوا ** عن دينهم وفي سواه ولجوا

ومن ترف التفاسير وتفسير المترفين أيضاً: تفسير القرآن الكريم بالحروف المهملة، أي: الحروف غَير المنقوطة وفيه غايةَ التكلُّف حيث يحشد من حوشي اللغة ما يُتمم به عمله كيفما كان ، من ذلك:
"سواطع الإلهام لحَلِّ كلام الله الملك العلاَّم" تأليف: لأبي الفيض فيضي بن المبارك الأكبر آبادي الهندي، المتوفى سنة 1004 هـ[2]، قال في أوله:
"أحامد المحامد ومحامد الأحامد لله مُصعد لوامع العلم، ومُلهم سواطع الإلهام، مُرَصِّص أساس الكَلم، ومُؤسس مُحكَم الكلام... ".

نموذج من تفسيره:
" {فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا}: الملَكَ المدعو روحًا، وإدلاؤه لله إكرامٌ له، {فَتَمَثَّلَ}: لاح { لَهَا }: الملَك المُرسل {بَشَرًا}: امرأً أملح {سَوِيًّا} [مريم: 17]: كامل العَطَل {قَالَتْ}: للروح {إِنِّي أَعُوذُ}: أُمْسِكُ وأركحُ {بِالرَّحْمَنِ}: الله واسع الرُّحْمِ؛ لكمالِ صلاحها، {مِنْكَ إِنْ كُنْتَ تَقِيًّا} [مريم: 18]: ورعًا راحمًا".
وعند الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم يقول:: " صلعم ".
قال العلاَّمة محمد صديق بن حسن خان القنوجي عن مؤلفه: " كان فيضي على طريقة الحُكَماء، وكذا إخوانه، وكانوا معروفين بانحلال العقائدِ، وسوءِ التديُّن، والإلحاد، والزندقة، نعوذ بالله منها ... صَنَّفه في سنتين، وأتمَّه في سنة 1002 هـ، يدلُّ على إطالة يده في علم اللغة " [أبجد العلوم، طبعة دار ابن حزم: 698].
تفسير الكلام المُبَجَّل، المُسَمَّى: "دُرُّ الأسرار"؛ للشيخ محمود بن محمد نسيب بن حسين بن يحيى حمزة الحسيني الحمزاوي الحنفي، مفتي الديار الشامية، المتوفى سنة 1305 هـ، بدأ تفسيره بدل البسملة بقوله: "اسم الله العلاَّم أول الكلام".
نموذج من تفسيره:
" {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ} [الفاتحة: 7]: هم الهود، وكلُّ عاصٍ، وهو الأعمُّ، {وَلَا الضَّالِّينَ} [الفاتحة: 7]: لدعوى الأهل والولد للواحد الأحد، أو أولو العمى وعدم العلم ".
" {إِذْ نَادَى}: دعا {رَبَّهُ نِدَاءً}: دعاءً {خَفِيًّا} [مريم: 3]: سِرًّا، وإسراره له إمَّا لعدم إطْلاع أحدٍ على دعائه، أو لعدم لومِ أحدٍ له على رَوْمِهِ الولد مع هرَمه، أو لهرمه صار كلامُه ودعاؤه همسًا".
ولفظ النبي صلى الله عليه وسلم يذكره في تفسيره دائمًا بلفظ: "الرسول محمد" تجنبًا لنقط الحروف، وعند الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم، يقول: "صلى الله على روحه وسلم".
وعند ذِكر أحد الأنبياء، يقول: رَدَّد الله له أكمل السلام، بدل: عليه السلام.

وهناك تفاسير أخرى على هذا النمط من ذلك:
التفسير المعمول من غير الحروف المنقطة؛ لعلي بن قطب الدين البهبهاني، المتوفى سنة 1206 هـ، وهو تفسيرٌ كبير في ثلاث مجلدات
تفسير سورة الفاتحة بالحروف المهملة؛ لعبدالسلام بن السيد عمر بن محمد الحنفي المارديني، مفتي ماردين، المتوفى سنة 1259 هـ.
تفسير سورة الفاتحة بالحروف المهملة؛ لعلي بن محمد الحزوري الآمدي الشافعي، مفتي آمد، المتوفى سنة 1210 هـ.


تفسير المترفين، ترف المفسرين، البيان، الإيضاح، نموذج


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع