العنف الأسري جراء الحجر المنزلي
04/06/2020 القراءات: 1969
مقدمة:
منذ مطلع شهر مارس من سنة 2020 والمجتمع تحت ضغط الوباء الذي اخلط أوراق الكبار والصغار، وانهك الأقوياء والضعفاء، وأخاف العلماء والبسطاء، فايروس دفع بالحكومات والدول إلى إجبار المواطنين على التزام البيوت ومنعم من حق التجوال والتسوق والتفاعل والتواصل، واتخذت بذلك إجراءات سياسية واقتصادية وأمنية من أجل احترام الإجراءات الوقائية وتفادي لانتشار العدوى وتفشي الوباء وحفاظا على الأرواح، والتقليل من حجم الكارثة الصحية التي كشفت فعلا هشاشة النظام الصحي العالمي وغياب سياسة دولية واضحة لمواجهة الأزمات والكوارث البيولوجية.
والدول العربية مثلها مثل الدول الأوروبية التي تضررت من انتشار الفايروس ومن عدم جاهزيتها للتعامل مع الأزمات الصحية في عصر الحروب البيولوجية والصراعات الإلكترونية، فانتشار الفايروس وعبوره للحدود والقارات كسر الإجراءات الجمركية ووضع المجتمعات العربية في مأزق كبير، مما دفعها تحدو حدو الدول الأوروبية وتفرض على شعوبها تطبيق سنة من السنن النبوية المهجورة والتي موجودة بين طيات أمهات الكتب التي قلما تجد من يتصفحها أو حتى من ينظر إليها، وبدلا ان نعمل بأوامر النبي محمد صلى الله عليه وسلم أقنعونا بأن نسير وفق البرتوكول الصيني والأوربي، وبين ثقافة الرفض والقبول لإجراءات الحجر المنزلي أو الصحي وجدنا أنفسنا رجالا ونساء كبارا وصغارا ملزمين بتوديع العمل والدراسة والصلاة في المساجد ولقاء الاهل والأصدقاء، وضاقت بنا الأرض بما رحبت، وتوالت الأيام والضغط يزيد والخوف يحتدم، والحلول تغيب وكل المعلومات والاخبار تنبأ بحجر منزلي متواصل وإلى أجل غير معلوم.
إن هذه الوضعية الاجتماعية الجديدة جعلت الأفراد في حالة نفسية شبه مرضية، نتيجة الضغوط النفسية، القلق والتوتر، الانعزال الإجتماعي وغيرها من العوامل التي ساهمت في ظهور العديد من مظاهر عدم الاستقرار النفسي والاسري، خاصة وأن نمط الحياة تغير فجأة، وما كان ضروريا أصبح كماليا وغير متوفر، في ظل غياب الثقافة الأسرية المبنية على توفير البدائل وتنويعها، وخلق المناخ الأسري الملائم لهذه الظروف الاجتماعية والاقتصادية الجديدة، ومع هشاشة البنية النفسية والمعرفية لدى أغلبية أفراد المجتمع على اختلاف الأعمار والمستويات، وإذا كان الفرد لا يملك مناعة نفسية قوية فإنه يقع ضحية الأفكار السلبية والطاقة السلبية التي تفقده إتزانه النفسي وتحكمه في أفكاره وسلوكاته.
العنف الاسري:
الحديث عن ظاهرة العنف الأسري ليس وليد الوضع الصحي أو الاجتماعي الحالي، إنما هو حالة وظاهرة اجتماعية عميقة الجذور الثقافية والاجتماعية، وليس الأسرة العربية هي الوحيدة التي تعاني من مظاهر العنف الأسري، فكل المجتمعات القديمة والحديثة عاشت وتعيش اضطرابات أسرية وصراعات وانشقاقات تركت ورائها أرامل ويتامى ومطلقات وموتى وجرحى، نعم هي حياة إنسانية أنتجت مظاهر وظواهر تمقتها الأديان والتشريعات وتمنعها القوانين والأعراف وتحاربها الهيئات والمنظمات الإنسانية في مختلف أقطار العالم.
كما أن العنف الأسري اخد العديد من الأبعاد والأنماط: عنف ضد الأولاد، عنف ضد الزوجة، عنف ضد الزوج، عنف ضد الوالدين، سواء كان ذلك عنف مادي أو عنف معنوي
وهو في جميع الحالات " سلوك لفظي او جسدي من فرد إلى فرد آخر أو مجموعة من الأفراد داخل الأسرة بقصد أذية الآخر واحتقاره وتعنيفه"
وله مظاهر متنوعة ومتعددة، وتختلف باختلاف المستوى الثقافي ونمط المعيشة، والعادات والتقاليد والقيم السائدة داخل الأسرة، جسديا يتمثل أساسا في الضرب والجرح والحرق وغيرها من السلوكيات الجسدية المنتشرة في المجتمع ككل، أما معنويا فتتمثل أساسا في الإهانة وعدم الاحترام، وهضم الحقوق والتخلي عن الواجبات، والتهديد والتخويف وغيرها من المشاهد التي تقتل المشاعر وتميت القلوب، وتزرع الحقد والغل في الانفس، وتكسر العلاقات وتبطلها.
أسباب العنف الأسري أيام الحجر المنزلي :
كما سبق وأن أشرنا فإن الحجر المنزلي جاء بشكل فجائي اضطراري لم نستعد له نفسيا ولا اسريا وهناك من لم يحضر له حتى اقتصاديا حتى وجد نفسه بين عشية وضحاها عاطل عن العمل، لا يملك قوت يومه ولا يقدر على توفيره، كما أن هناك عائلات كانت تعيش في كنف الرصيف وتحت رحمة المحسنين ممن أفاء الله عليهم وهداهم للتصدق وفعل الخيرات، خاصة وأن مجتمعنا العربي تربطه أواصر الأخوة والتكافل، فمثل هذه الوضعيات الاجتماعية وغيرها مثال واضح عن ضغط الظروف والمعانات التي سببها الحجر المنزلي على العديد من الأسر والأفراد.
وسنحاول تلخيص بعض الأسباب التي أدت إلى تزايد العنف الأسري أثناء أيام الحجر المنزلي:
- الضغط النفسي الناتج عن خطورة الوضع من جهة، وعن قساوة ظروف الحياة من جهة أخرى.
- عدم تقبل الوضع الجديد الذي أرغم الجمبع على البقاء في غرفة واحدة طوال اليوم، خاصة بالنسبة للرجل المتعود على قضاء نهاره خارج البيت.
- عدم التعود على النقاش الأسري وغياب روح الحوار والفكاهة بين أفراد الأسرة.
- ظهور بعض الحقائق المغيبة والمستورة، وهو ما زعزع الثقة داخل الأسرة وأدخل الشك بين أفرادها.
- عدم تقبل الآخر وغياب ثقافة التشاركية، حيث أصبح الجميع مشتركون في الغرفة والتلفاز والحمام والكرسي وغيرها، وهو ما يخلق جو من الإختلاف والشاحن.
- الاتكالية والتحجج، حيث أصبح الكل في راحة وبدون واجبات خارجية بعدما كان الكل يتحجج بتعب العمل والتنقل، ولا مجال الآن للتهرب والتخفي وراء (لا).
- التكرار والنمطية، أعتاد الفرد على التجديد والتنويع، والتحديث في المأكل والمشرب والملبس والمركب، فإذا به جامد لا يتحرك نفسية منهارة وذات منكسرة.
- الذاتية والنرجسية، فالكثير من الأفراد اعتادوا على التميز والتألق وحب الظهور ، وفجأة فقد المدح المعتاد.
خلاصة: هذه بعض ملامح وأسباب العنف الأسري جراء الحجر المنزلي والموضوع يحتاج إلى مقالات ودراسات أعمق وأوسع ولنا معكم مواعيد قادمة في هذا الموضوع.
العنف الأسري، الحجر المنزلي
يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع
لكن الحجر بالمقابل جعلنا نعيش اوقاتا اطول مع ازواجنا وابنائنا ونتعرف عليهم من جديد، وهذا وجه اخر للازمة :الوجه الايجابي، شخصيا تعرفت على ابنائي من جديد، لم تبعدهم عني المدرسة ولا الجامعة ولا اصدقائهم وهذا جيد..