بنية الصورة بين المورث النقدي والبناء اللغوي في ضوء السيمياء الحديثة
ياسر جابر الجمال | Yasser gaber elgammal
18/01/2024 القراءات: 536
وهي بهذه التسمية مصطلح نقدي حديث لم يغب مفهومه العام عن النقاد الأوائل( )، فقد أشاروا إليه إشارات متفاوتة لا يتجاوز في كل أحواله مفهوم الصور البيانية.فمؤلف طبقات الشعراء يرى أن النظم في الشعر ليس كافيًا لإبداع شعر جيد، ومن خلال وضعه الشعراءَ في طبقات يتضح من مقايسه في تصنيفهم أن الشعر عنده فن لغوي يقوم على التصوير( )، ويشير الجاحظ: إلى مفهومها البياني عندما ذكر أن الشعر "صياغة، وضرب من النسج، وجنس من التصوير( )، أما أبو هلال العسكري( )، فقد ألمح إليها أثناء تعريفه للبلاغة بأنها "كل ما تبلِّغ به المعنى قلب السامع فتمكنه في نفسه كتمكنه في نفسك، مع صورة مقبولة، ومعرض حسن، وظلت الصورة مغمورة في تلك الإشارات تتطلع إلى منصفين آخرين غير الشعراء الذين سمو بها سمواً لم يعطه النقاد الأوائل أكثر من وصف مشبه ومشبه به، ومجاز لغوي وعقلي، وما يتصل به من استعارات وكنايات، فجاءت الدراسات الحديثة منهمرة تنصف الصورة، وتوسع من أطرها، إلى حد أصبحت معه الصورة "أداة الشاعر( )، "والمركز البؤري للبناء الشعري كله" ( )، والوسيلة الفنية الجوهرية لنقل التجربة( ).
وبعد أن كانت الصورة تلي اللغة الشعرية في الأهمية أو فرعاً منها تقدمت الصورة شيئاً فشيئاً إلى أن أصبحت عماد اللغة الشعرية( )، وقد عرف النقاد المعاصرون الصورة بتعاريف عدة تؤكد المفهوم القديم، ومضيفة إليه تجارب جديدة، وأبعاداً أخرى، فهي في المفاهيم الحديثة "تشكيل لغوي يكون خيال الفنان من معطيات متعددة يقف العالم المحسوس في مقدمتها... إلى جانب ما لا يمكن إغفاله من الصور النفسية والعقلية" ( )وهي أيضًا "التركيبة اللغوية المحققة من امتزاج الشكل بالمضمون في سياق بياني خاص أو حقيقي موح كاشف ومعبر عن جانب من جوانب التجربة الشعرية( )، ولم يكن اهتمام النقاد المعاصرين بدراسة الصورة سوى امتداد حتمي للمكانة الحقيقية المُولاة للصورة في أشعار المعاصرين، ففي ظل تقهقر الفكر السائد قديماً حول قوة الشعر المتمثلة في قعقعة الألفاظ أو هدوئها باتساقها مع طبيعة المعاني أصبحت "قوة الشعر تتمثل في الإيحاء بالأفكار عن طريق الصور، لا في التصريح بالأفكار مجردة، ولا في المبالغة في وصفها" ( )، بتأثير أوليّ من تراكيب الألفاظ التقريرية، لأن "الشعر إذا كان تقريرياً أو عقلياً صرفاً كان مدعاة للملل( ).
وفي معمعة ذلك التقدم السريع. في محاولات فهم طبيعة الصورة الفنية وخلفياتها تداخلت رؤى مختلفة تحاول جاهدة إفساح المجال لكل تجربة، "فلم تعد الصورة البلاغية هي وحدها المقصودة بالمصطلح، بل قد تخلو الصورة بالمعنى الحديث من المجاز أصلا، فتكون عبارات حقيقية الاستعمال، ومع ذلك فهي صورة دالة على خيال خصب ( )، وفي بعض تلك المحاولات أصبحت الصورة الحسية التي كانت تشكل معظم الصور القديمة تمثل تصورًا ذهنيًا معينًا له دلالاته وقيمه الشعورية( )، وصار "كل ما للألفاظ الحسية في ذاتها من قيمة أنها وسيلة إلى تنشيط الحواس وإلهامها( ).
وتعد الصورة أبرز الأدوات الشعرية التي يستخدمها " الشاعر " في صياغة تجربته الشعرية ، ولا غرو فالشعر لا يكون شعرًا إلا بالصورة ، فأفكار الشاعر وعواطفه تبقى جامدة لا قيمة لها ما لم تتحقق في صوره، فهي الوسيلة الجوهرية لنقل التجربة في معناها الجزئي أو الكلي ، وبها تتجسد الأحاسيس وتشخص الخواطر والأفكار . وتتكشف رؤيته الخاصة عن العلاقات الخفية والحقيقية في عالمنا ، كما أن الصورة هي التي تميز شاعرا من آخر كما أن طريقة استخدامها هي التي يختلف فيها الشعر الحديث عن القديم ، ومن ثم فإن الصورة تستمد موقعها من الواقع والخيال لا يحكي الأشياء كما هي في الطبيعة أو الواقع ، ولكنه ينقلها في ثوب جديد من خلال علاقات جديدة فتتكون الصورة وتنمو داخل التجربة الشعرية .
بنية الصورة....................
يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع