مدونة د. ميثاق صادق محمود هزاع المليكي


مقصد صيام الخصوصية (اللسان والعين) من منظور الآية 183 سورة البقرة

د.ميثاق صادق المليكي | Dr.Methaq sadeq Almuliki


26/04/2020 القراءات: 3377  


نعم... أوجب الله علينا صيام رمضان عملا بقوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾ البقرة: 183
فلم يكن مقصد الصوم فقط مقتصرا في الآية على الصيام المعروف بالامتناع عن الطعام والشراب من طلوع الفجر إلى الليل عملا بالآية، بل هناك مقصد أخر يريده الله وهو وصول العباد للتقوى ﴿ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴾ولن يتحقق الوصول للتقوى إلا إذا أتم العبد مع صيامه ـــ صيام الخصوصية وهو (صيام الجوارح) فإذا كان الله تعالى أوجب علينا ترك الطعام والشراب وهما من المباحات فإنه من باب أولى أن نترك المحرمات وترك المحرمات واجب في كل وقت وحين، وتتمثل المحرمات في صيام الجوارح وهي صيام اللسان وصيام العين واليد والأذن، ولسوف أقتصر بالحديث عن اللسان والعين لكثرة المفاسد الواردة منهما في حياتنا اليومية، والتقوى التي يريدها الله تعالى هي: الخوف من الجليل والعمل بالتنزيل والاستعداد ليوم الرحيل... ولكن للأسف صار صيامنا في الغالب امتناع عن الطعام والشراب، فلن تجد الخوف من الجليل إلا ممن رحمهم الله ولا ترى من يعمل بالتنزيل إلا ممن أحبهم الله وهداهم، ولن تلاحظ مؤمنا مستعدا للرحيل إلا من كان زاهدا عن الدنيا.
إذا كيف يتوصل العبد إلى التقوى؟؟ يتوصل لها بالصيام المعروف وبصيام الخصوصية وهو ما يسمى بصيام الجوارح ونقتصر على اللسان والعين، وهي كالتالي:
أولاً: صيام اللسان
ويكون صوم اللسان بالامتناع عن الكذب والغيبة والنميمة وشهادة الزور في المجالس وفي الطرقات بل وفي كل مكان... عن أبي هُرَيْرَةَ رَضِي اللَّه عنه يَقُولُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (... وَإِذَا كَانَ يَوْمُ صَوْمِ أَحَدِكُمْ فَلا يَرْفُثْ وَلا يَصْخَبْ فَإِنْ سَابَّهُ أَحَدٌ أَوْ قَاتَلَهُ فَلْيَقُلْ إِنِّي امْرُؤٌ صَائِمٌ) رواه مسلم، فما القصد من النهي في هذا الحديث، وأيضا ما القصد من نهيه صلى الله عليه وسلم عن الرد لمن يشتم أو يقاتل، أو يستهزئ، فلماذا لا نجازيه بالمثل ؟ لأن الله يحبك ويريد أن يكون صومك مكتملا لكي تصل إلى التقوى التي ذكرها الله في آيات الصوم ﴿ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾ ولكن إذا كان الإنسان يسب ويغتاب ويشتم ويشهد الزور وهو صائم فلا فائدة في صيامه يقول صلى الله عليه وسلم (من لم يدع قول الزور فليس لله به حاجة أن يضع طعامه وشرابه ) البخاري، لكن للأسف تجد الكثير ممن يصوم طوال نهاره ويعاني ألم الجوع والعطش، ولكن تراه في حياته يكذب ويغتاب الناس، وينقل الكلام لأجل الفتنة، ويشهد الزور، حتى مواقع التواصل لم تسلم من ذلك، بل أصبحت مواقع شيطانيه تخدم منهج إبليس، تجد الكثير يكتب المنشورات في الفيس بوك أو تويتر أو غيرها، ويجد المطلع على أكثر تلك المنشورات توحي بأنها كذب في كذب تحمل في معانيها الرفث ( أي الكلام الفاحش) وبعض المنشورات استهزاء وسخرية وبعض الأحيان منشورات يشهد بها زورا وبهتانا، وكل ذلك إما حقد أو حسد أو غل مدفون بالقلب، أو ارتزاق يحصل من ورائها المال، ومع هذا يعتقد بأنه صائم ومفتاح الجنة بيده... لا يا أخي أنظر في التعليقات ما هي نتيجة المنشورات، بلا شك أنها ستكون على قسمين القسم الأول يؤيد الكلام وهو من أحب المنشور مجاملة أو نكاية، فلا يستطيع أن ينصح ويقول الحق، بل يسكت ولم يدافع عن الحق، والقسم الثاني وهو المعارض فلا يستطيع أن يربط لسانه أو يقدم نصيحة، بل يقدم على السب والشتم والاستهزاء والسخرية والقذف، هذا هو صوم اللسان في زمننا الحاضر.
الثاني: صوم العين
ويكون صوم العين بغض البصر عن كل شيء حرمه الله تعالى قال تعالى: ﴿قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ﴾ النور: 30 فالقصد من صوم العين يظهر من قوله تعالى في نفس الآية ﴿ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ﴾ أي من صام بعينه وحفظ فرجه فذلك أطهر وأتقى له فبالله كيف سيكون صيام العبد عن الطعام والشراب، لكن عينه لا تصوم، أكيد سيكون ناقصا وبلا ثواب مكتمل، فلا تجعل للشيطان طريقا لإنقاص صومك بالنظر إلى ما حرم الله، فإذا كنت تبحث عن التقوى والوصول لها فَصُومْ بعينك عن كل ما يغضب الله سواء كان في مواقع التواصل الاجتماعي أو عبر المسلسلات الرمضانية التي لا ترض الله في شهر الصيام وليس لها أي خدمة للإنسانية بل تخدم الشيطان الرجيم، فصوم العين يحتاج إلى جهاد، فجاهدْ نفسك وعينك في مواقع التواصل الاجتماعي، وجاهد نفسك في الطرقات والأسواق، حتى تنال رضا المولى عز وجل في صومك وتكون ممن نال تقوى الله التي أخبر الله عنها في قوله تعالى ﴿ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴾ جعلني الله وإياكم من أهل التقوى أنه على كل شيء قدير والحمدلله رب العالمين.


المقاصد/ صيام الخصوصية الجوارح/ اية 183 البقرة


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع