مسارات حركة التجديد في الشعر الحديث
ياسر جابر الجمال | Yasser gaber elgammal
28/01/2024 القراءات: 562
إن فكرة التجديد في الشعر ربما تكون مرحلية أكثر من كونها زمانية، فالتجديد لا يتوقف على زمن معين أو فئة بعينها، والشعر العربي مر بمراحل عديدة منذ البدايات الأولى، إلا أن المفارقة في هذا الصدد أن النموذج الجاهلي يمثل ذروة القصيدة العربية، وهذا بخلاف التطور في أي شيء إذ إن البدايات تكون أقل نضجًا حتى تبلغ ذروتها مع الزمن.
وإذا نظرنا إلى الشعر العربي في العصر الحديث نجد أن عوامل التجديد تضافرت على الشعراء ، فكونت لديهم تصورات جديدة تتعلق بالموضوع والشكل، فكانت القصيدة التقليدية، والقصيدة الحرة- التفعيلة-، وهذا من حيث الشكل، وأما من حيث المضمون، فقد كانت للعوامل السياسية والاجتماعية والسياقات التي مرت بها الأمة دور بارز في ظهور مضامين جديدة لدى الشعراء.
والتجديد في اللغة ضد القديم، و"الجدّة هي نقيص البلى، ويقال: شيء جديد، وتجدد الشيء صار جديدًا وهو نقيض الخلق، وجدّ الثوب يجِدُّ (بالكسر) صار جديدًا، والجديد ما لا عهد لك به "( ).
يقول ابن فارس: " قولهم ثوب جديد، وهو من هذا، كأن ناسجه قطعه الآن، هذا هو الأصل، ثم سمي كل شيء لم تأت عليه الأيام جديدًا ولذلك يسمى الليل والنهار الجديدين والأجدين ؛ لأن كل واحد منهما إذا جاء فهو جديد، والأصل في الجدة ما قلناه"( ).
ووفق ذلك يتبين أن التجديد كمصطلح لغوي ينحدر من الجذر (جدد)، وهو يعني الشيء الحديث نقيض القديم، وعلى ذلك أسس العلماء المعنى الاصطلاحي للتجديد كمصطلح يمتلك حدود معرفية معينة متعلقة بالأدب أذا أردنا القول بالتجديد فيه .
التجديد اصطلاحًا :
يقصد به "إتيان بماليس شائعًا أو مألوفًا ،وهو على نوعين :
الأول: ابتكار موضوعات أو أساليب تفكير أو تعبير تخرج من النمط المعروف والمتفق عليه جماعيًا .
الثاني : إعادة النظر في الموضوعات والأساليب الرائجة وإدخال تعديل عليها بحيث تبدو للعيان مبتكرة "( )
وفي التدليل على هذا المعنى ، قال ابن جني: إذا كان الدهر أبدا جديدًا فلا آخر له ، ولكنه جاء على أنه لو كان له آخر لما رأيته فيه ، والجديد : ما لا عهد لك به ، ولذلك وصف الموت بالجديد"( )
التقليد في اللغة :
يقول ابن فارس: " (قلد) (القاف واللام والدال) أصلان صحيحان، يدل أحدهما على تعليق شيء على شيء وليه به، والآخر على حظ ونصيب، فالأول التقليد: تقليد البدنة، وذلك أن يعلق في عنقها شيء ليعلم أنها هدي، وأصل القلد: الفتل، يقال قلدت الحبل أقلده قلدًا، إذا فتلته، وحبل قليد ومقلود، وتقلدت السيف، ومقلد الرجل: موضع نجاد السيف على منكبه، ويقال: قلد فلان فلانا قلادة سوء، إذا هجاه بما يبقى عليه وسمه، فإذا أكدوه قالوا: قلده طوق الحمامة، أي لا يفارقه كما لا يفارق الحمامة طوقها، والمقلد: عصا في رأسها عوج يقلد بها الكلأ، كما يقلد القت إذا جعل حبالًا "( )
التقليد اصطلاحًا :
مصطلح التقليد مصطلح أصولي أكثر من كونه أدبي، ولذلك كثرت تعريفاته لدى الأصوليين ومن ذلك "قبول قول القائل بلا حجة"( )، والتقليد في مساحات الأعمال الأدبية، يقصد به الوقوف على الأسس والقواعد التي أسسها القدماء أو المعاصرون دون إضافة عليها، من حيث الشكل والمضمون، إلا أننا نجد أن" القصيدة المعاصرة[ تحاول ] أن تشكل لنفسها عالما ..، يتسم بخاصيتين مناقضتين هما: الاستقلال والانتماء في آن واحد .، فهي عالم مستقل من حيث التشكيل الفني والحدود المرئية ، أو الملموسة ، أو المحسوسة ، أو الموحي بها .، وفي إطار البحث عن الحدود يقترب الفن الشعري من الفن القصصي ، ويحاول كل على طريقته أن يسور منطقة ما من الزمان والمكان ، وتتعدد الأشكال التي يمكن أن تكتسيها هذه الأسوار الخفية بين التدوير والتربيع والنتوء والاستقامة وانحصار المساحة حينا حتى تلامس أرنبة الأنف، واتساعها حينا آخر حتى تشارف تخوم القبة الزرقاء للأفق البعيد .، وتمتد إلى ما ورائها موحية بلا نهائية الامتداد . ومن خلال هذا التسوير الذي تصطنع فيه القصيدة لغة الزمان ، ولغة المكان ..، تسنح فرصة أخرى لتأكيد أبعاد الاستقلال حين تبدو معايير الأزمنة والأمكنة داخل العمل الفني شديدة الاختلاف .، وأحيانًا شديدة التباين عن هذه المعايير خارج العمل الفني .، وحين تبدو حرية الحركة والانتقال بين أطراف الزمان المختلفة سهلة المنال .، وسرعة التجوال بين أطراف المكان أقرب إلى لغة البساط السحري ، وخيول الأساطير القديمة .، وحين يبدو منطق التقسيم الحاد الذي صنعته الألفة للأزمنة والأمكنة وكأنه سبيكة معدنية صهرت في حميا الشعر فأصبحت ذائبة يمكن يعيد الشاعر، وأن نعيد معه تشكيلها من جديد ، دون أن نجد غرابة في أن يصير المربع دائرة ، وأن تتمازج العناصر التي كانت من قبل متباعدة ، وأن يحقق الشعر من خلال ذلك مع عناصر اللغة ما تحققه الكيمياء مع عناصر الطبيعة من إعادة للصهر والتشكيل والفصل والوصل، ويصبح فن الشعر بذلك كما يقول النقاد المحدثون "" كيمياء اللغة " واللغة أيضًا مظهر رئيسي لاستقلال القصيدة، ولعله من أكثر مظاهرها استعصاء على الترويض ، وخضوعًا للاستقلال"( )
هذه الدفقات المعاصرة في مضمار التجديد ربما كانت الموشحات الأندلسية هي خيط البداية لها "فالموشحات مهدت مباشرة إلى خلق فن جديد هو الشعر الحر، والشعر المنثور في العصر الحديث ،ومهدت إلى تعدد القوافي، ووحدة الشطر المختلف في الطول في القصيدة الحرة ، التي تقوم على وحدة التفعيلة الخليلية " ( ).
كما كان السياق حاكمًا في عملية التجديد، حيث " إن حركة التجديد في الشعر العربي قد تأثرت إما بالأدب الشعبي – ويصدق على هذا الموشح، وعلى بعض الأشكال الشعرية في حركة التجديد المهجري – وإما بالشعر الغربي ، وهو بلا شك أقوى هذين المؤثرين " ( )
ويعد "خليل مطران من الشعراء الذين حاولوا التجديد في ماهية الشعر ،وحاول في كثير من نماذجه الشعرية الخروج عن الإطار التقليدي الذي كان يسير على منواله كثير من الشعراء الذين جاءوا قبله "( ).
التجديد .. الشعر ...الحديث
يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع