مدونة بكاري مختار


تاريخ العصر المملوكي، قيام دولة المماليك البحرية - الجزء الثاني -

د/ بكاري مختار | Dr. BEKKARI mokhtar


18/04/2022 القراءات: 780  


ولما يئس الناصر يوسف من مساعدة لويس التاسع ، زحف بجيوشه نحو مصر ، وسارع أيبك للقائه ، ولكنه خشى في الوقت نفسه أن يقوم الصليبيون بهجوم مفاجيء على مصر ، فأمر بهدم مدينة دمياط هدفهم المفضل دائما ..
فوقع الهدم في أسوارها يوم الاثنين ١٨ شعبان سنة ٦٤٨ ه ( اواخر سنة ۱۲٥٠ م) حتى خربت كلها ولم يبق منها سوى الجامع وأخصاص من القش على شاطىء النيل يسكنها جماعة الصيادين من وضعفاء الناس وسموها المنشية (*9)
واستمرت دمياط على هذه الحال حتى عمرها السلطان بيبرس البندقداري من جديد سنة (۱۲۷۱ م)
ثم التقى المماليك بالأيوبيين في معركة عامة عند بلدة العباسية بين مدينتي بلبيس والصالحية ، في ٣ فبراير سنة ( ۱۲٥١ م)، انتصر فيها الملك الناصر أول الأمر ، ولكن فرقة من مماليكه ، وهم العزيزية (*10) ، خذلوه وانضموا إلى المماليك البحرية لعلة الجنسية على قول المراجع المعاصرة (*11)
ففر الناصر ومن معه من أبناء البيت الايوبي إلى الشام منهزمين ، بعد أن فقدوا عددا كبيرا من القتلى والأسرى . وقرر أيبك أن يواصل زحفه نحو الشام للقضاء على مراكز المقاومة الأيوبية ، ولكي يضمن النجاح لمشروعه ، حاول أن يضم لويس التاسع الى جانبه ، ووعده بیت المقدس بمجرد استيلائه عليه من الملك الناصر يوسف الأيوبي .
وفضل لويس التاسع ، بعد أن رأى انتصار الجانب المصري ان يستجيب لعروض أيبك ويترك سياسة الحياد .
وفي أوائل مایو سنة (۱۲٥٢ م) اتفق أيبك ولويس التاسع على القيام بحملة مشتركة لطرد الناصر يوسف من الشام . وكانت الخطة المتفق عليها هی أن يستولي لويس التاسع على يافا ، بينما يحتل أيبك غزة ، ومن هناك يتم الاتصال بين الجيشين في منتصف مايو سنة( ۱۲٥٢م) للقيام بهجوم عام مشترك على ولايات الأيوبيين (*12).
وتنفيذا لهذه الخطة، إحتل الملك لويس مدينة يافا دون مقاومة ، بينما تقدم المماليك بقيادة أقطای نحو غزة ، غير أن الملك الناصر يوسف ، الذي علم بأخبار هذا التحالف ، سبقهم الى احتلالها بقوة حربية كبيرة ، فاستطاع بهذا العمل الجريء أن يحول دون اتصال المماليك بحلفائهم الصليبيين ، ويفسد عليهم خطتهم المشتركة .
واستمرت جيوش المماليك في الصالحية ، وجيوش الأيوبيين في غزة كل منهما تتحفز بالاخرى ، إلى أن أنقذ الموقف أخيرا الخليفة العباسي المستعصم عندما توسط لدى الفريقين ، وتمكن رسوله نجم الدين البادرانی(*13) من عقد صلح بينهما في أبريل سنة( ۱۲٥٣م / ٦٥١ ه ) على ان يكون للمماليك مصر وجنوب فلسطين بما في ذلك غزة وبيت القدس ؛ بينما تظل البلاد الشامية في يد أصحابها من أبناء البيت الأيوبي .
وهكذا فشل لويس التاسع في تحقيق آماله بامتلاك بیت المقدس(مرة أخرى) ، ولم يستطع بعد ذلك البقاء في الشام خصوصا بعد وفاة والدته الملكة بلانش( القشتالية ) التي كانت تحكم فرنسا في غيابه کوصية على العرش ، فاضطر لويس التاسع الي الرجوع الى بلاده سنة ۱۲٥٤ م •
على أنه ينبغي أن نلاحظ هنا أن تدخل الخليفة العباسي في ذلك الوقت ، لم يكن هدفه ايقاف التغلغل الصليبي في شئون الشرق العربي فحسب ، بل كان غرضه أيضا توحيد الجهود لتكوين جبهة اسلامية أمام خطر جديد أشد من الخطر الصليبي ، وهو الخطر المغولي الذي كانت جحافله قد اجتاحت الحدود الاسلامية الشرقية بقيادة جنكيزخان وقضت على الدولة الخوارزمية التي كانت بمثابة الترس المانع الحامي لجميع الدول الإسلامية في غرب آسيا والشرق الأدنى من هجمات المغول وغيرهم من الآسيويين .
وهكذا انتهت العقبة الأولى في تأسيس الدولة المملوكية الناشئة وهي النزاع بين المماليك وملوك البيت الايوبي
ثانيا ثورة العرب ضد حكم المماليك( ٦٥١ ه/ ۱٢٥٣ م )
الواقع أن العرب من سكان مصر، الذين استوطنوا هذا البلد منذ الفتح الإسلامي، قد تحولوا تدريجيا إلى مزارعين مستقرين ، خاصة في أقاليم الصعيد والشرقية، وأطلق عليهم العرب المزارعة .(*14)
ويبدو أن هؤلاء العرب احتقروا المماليك، ورفضوا أن يخضعوا لحكمهم بسبب أصلهم غير الحر ، واعتبروا أنهم أحق بالملك منهم، وقد اتخذ رفضهم شكل ثورة مسلحة تزعمها الشريف حصن الدين بن ثعلب . (*15)
{ من المعروف أن القبائل العربية التي استوطنت مصر بعد الفتح الإسلامي ، وأخذت تتحول تدريجيا الى شعب زراعی ، وأطلق عليهم اسم العرب المزارعة . وكان هؤلاء العرب يقومون بفلاحة الأرض على مقربة من القرى القديمة الآهلة بالفلاحين من أهالي البلاد ، ...


دولة المماليك، مصر


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع