أزمة الانتقال الديمقراطي في الجزائر من أحداث أكتوبر 1988 إلى حراك 22 فبراير 2019
09/11/2019 القراءات: 3710
منذ تحقيق الاستقلال في عام 1962، تحكم الجزائر بنظام سياسي يقوم على الأحادية الحزبية وهيمنة المؤسسة العسكرية، ولتعزيز هذا الخيار السياسي تم الاعتماد على اقتصاد ريعي، وتبقى أهم ميزة فيه هي صراع الأجنحة (مخابرات، قيادة أركان، رئاسة). كل هذا جعل النظام الجزائري يفتقد لمؤسسات شرعية وفعّالة نتيجة إنكاره للديمقراطية، ومع مرور السنوات أثبت فشله سياسيا واقتصاديا مما أدى إلى انتفاضة 5 أكتوبر 1988، في ظروف تميزت بصراع الأجنحة داخليا وسقوط المنظومة الاشتراكية، وانتشار للتحولات الديمقراطية عالميا.
بعد هذه الانتفاضة تم تعيين حكومة قاصدي مرباح وإعادة انتخاب الشاذلي بن جديد للمرة الثالثة كرئيس للجمهورية، ثم إقرار دستور فبراير 1989، وفي سبتمبر 1989 تم تعيين حكومة مولود حمروش، ونتج عن الإصلاحات فوز الجبهة الإسلامية للإنقاذ المعارضة بالانتخابات المحلية والتشريعية 1990-1991. لكن الإصلاح الديمقراطي توقف بإلغاء المسار الانتخابي في يناير 1992، بسبب الصراع داخل سرايا النظام وبين النظام والمعارضة، وافتقاده لتوافق وطني يحميه من الإلغاء والانحراف نحو العنف.
من بين الأخطاء التي عجلت بتوقف مسار الإصلاح السياسي هو القراءة الخاطئة لأحداث 5 أكتوبر 1988، حيث لم يتم تفكيك أبنية النظام التسلطي وهياكل الفساد التي تسببت في تردي الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية وغياب الديمقراطية، وجعلت الشعب ينتفض ضد السلطة. ولهذا غاب التفاوض للدخول في مسار انتقالي يؤسس لنظام ديمقراطي جديد ويتم بموجبه التوافق الوطني (وليس السلطوي) على قواعد اللعبة السياسية على أساس التنافس بين البرامج، وكذلك ضبط العلاقة بين المدني والعسكري.
وبدلا عن ذلك تم توظيف الإصلاحات لتجديد واجهة النظام السياسي دون تغييره، وفي خضم تفاقم الصراعات وغياب التوافق تحوّل الإصلاح السياسي إلى عنف متبادل بين الدولة والمجتمع، وجعل العسكر يستغلون الوضع لإجهاض الانتقال الديمقراطي. وبعد عشرة سنوات من العنف والإرهاب توجت بانتصار النظام الحاكم على الجماعات المسلحة، جاء بوتفليقة إلى الحكم وقام بإعادة تأهيل النظام الجزائري دوليا، حيث وجد النظام ضالته بتوظيف الحرب العالمية على الإرهاب لتقديم نفسه نموذجا يحتذى به، وكذلك توظيف الريع البترولي لتدعيم شرعيته بواسطة شراء السلم الاجتماعي كبديل للشرعية الديمقراطية.
لقد اعتقد النظام الحاكم أن هذا الأسلوب الجامع بين العنف والريع والمصالحة الوطنية سيحميه من الغضب الشعبي، لكنه تناسى أن القاعدة الشعبية تجددت، وأن الأجيال تتداول فيما بينها، الأمر الذي جعل رصيد النظام من الريع ومن المصالحة يستنزف ولم يعد كافيا لإرضاء الأجيال الجديدة. وفي خضم تجدد صراع الأجنحة منذ سنة 2013، أصيب النظام الجزائري بانحلال عميق أدى إلى بروز كيانات موازية وتغلغلها في أجهزة الدولة ساهمت في توسع الفساد، ورفض التغيير، والإصرار على البقاء.
في ظل هذه الظروف، جاء الحراك الشعبي يوم 22 فبراير 2019 ليقضي على ما تبقى من رصيد لشرعية النظام السياسي، وأصبح إفلاسه ظاهرا وأن بقاءه يعد خطرا على الدولة. لهذا، تبدو الجزائر بحاجة إلى مرحلة انتقالية لتفادي أخطاء الماضي، من أجل تفكيك نظام الفساد، والتأسيس لنظام سياسي جديد يقوم على المؤسسات الديمقراطية المنتخبة، والنخب السياسية المتنافسة على البرامج.
أزمة، الانتقال، الديمقراطية، النظام السياسي، الجزائر