مدونة عبدالحكيم الأنيس


أولاد شمس الدين ابن الجزري

د. عبدالحكيم الأنيس | Dr. Abdul Hakeem Alanees


14/10/2023 القراءات: 1164  


وُلد للإمام ابن الجزري عشرة أولاد:
قال في خاتمة كتابه "الحصن الحصين مِن كلام سيد المرسلين صلى الله عليه وسلم" (ص: 376): "وقد أجزتُ أولادي: أبا الفتح محمدًا [توفي في طاعون دمشق سنة 814 ووالده بشيراز، ونقل عنه أبوه في موضع من "الغاية"]، وأبا بكر أحمد [ولد سنة 780]، وأبا القاسم عليًّا، وأبا الخير محمدًا [ولد سنة 789]، وفاطمة، وعائشة، وسلمى، وخديجة، روايتَه عني، مع جميع ما يجوزُ لي روايتُه، وكذلك أجزتُ أهلَ عصري".
وقد فرغ منه في (22 / 12 / 791) في دمشق، وكان في الأربعين من عمره، وعلمنا بهذا أنه كان له في تلك السن ثمانية أولاد: أربعة ذكور وأربع إناث، (هذا إذا كان كتب الإجازة في السنة المذكورة: 791)، ويلحظ أنه كرر اسم محمد، وفرق بين الولدين بالكنية. وقد أحسن اختيار الأسماء رحمه الله.
وقال سنة (804) في آخر كتابه "غاية النهاية" (2: 409):
«وأجزتُ لأولادي الموجودين يومئذ وهم: أبو الفتح محمد، وأبو بكر أحمد، وأبو الخير [محمد]، وأبو البقاء إسماعيل، وأبو الفضل إسحاق، وفاطمة، وعائشة، روايته عني وجميع ما تجوز روايته.
وكذلك أجزتُ لفاطمة، وزينب، بنتي ‌ابني أبي الفتح المذكور.
ولفاطمة بنت أبي بكر أحمد المذكور أيضًا.
وكذلك لجميع أهل عصري من المسلمين.
وكتبه محمد بنُ الجزري مؤلفه غفر الله تعالى له ولوالديه ولمشايخه ولكل المسلمين أجمعين".
ويُلحظ أنه سمّى إحدى بناته فاطمة، وأنَّ اثنين من أولاده سمّيا ابنتيهما فاطمة كذلك.
وقد ترجم ابنَه أحمد ترجمة حافلة فانظر "الغاية" (1 / 129 - 131). ومما قاله فيها: "لما دخلتُ الروم لحقني بكثير من كتبي فأقام عندي يفيد ويستفيد، وانتفع به أولاد الملك العادل محمد بن عثمان: الكامل محمد، والسعيد مصطفى، والأشرف، وولي الجامع الأكبر البايزيدي بمدينة بروسة، وكان في خير وازدياد مع الدين والعفاف الوافر أسعده الله وبارك فيه".
وترجم ابنتَه سلمى فقال (1: 310):
"سلمى بنت محمد بن محمد، أم الخير، ‌ابنتي، نفع الله تعالى بها ووفقها لما فيه صلاحها دنيا وأخرى، ولدتْ "بياض" وشرعتْ في حفظ القرآن سنة ثلاث [أو: ثماني] عشرة، وحفظتْ مقدمة التجويد وعرضتها، ومقدمة النحو، ثم حفظت "طيبة النشر" الألفية، وحفظت القرآن وعرضته حفظًا بالقراءات العشر، وأكملته في الثاني عشر من ربيع الأول سنة اثنتين وثلاثين وثماني مئة قراءة صحيحة مجودة مشتملة على جميع وجوه القراءات بحيث وصلتْ في الاستحضار إلى غايةٍ لا يشاركها أحد في وقتها، وتعلمت العروض، والعربية، وكتبت الخط الجيد، ونظمتْ بالعربي والفارسي. هذا وهي في ازديادٍ إن شاء الله تعالى، وقرأتْ بنفسها الحديثَ، وسمعتْ مني وعليَّ كثيرًا بحيث صار لها فيه أهلية وافرة، فالله يسعدها ويوفقها لخير في الدنيا والآخرة".
وقد استفادتْ سلمى كثيرًا من تلميذ والدها طاهر بن عرب، وترجَمَتْه، ونجد هذه الترجمة في كتاب أبيها «غاية النهاية» (1: 339- 341)، وهذا نصُّها:
«طاهر بن عرب بن إبراهيم بن أحمد، الإمام الفاضل العالم المحقق المدقق المجود المرتل المقرئ الكامل المجيد المفيد، أستاذ القراء، وصفوة العلماء، نخبة المحققين، عمدة المقرئين، فخر الدين أبو الحسين الأصبهاني أدام الله النفع به ووصل أسباب شهرة علم القرآن بسببه، وُلد فيما أخبر في سابع محرم سنة ست وثمانين وسبع مئة، وحفظ القرآن وهو ابن عشر سنين تقريبًا، وطلب العلم وهو ابن خمس عشرة سنة، وطاف البلاد، وساح في الأغوار والأنجاد، حتى برع في فنون من العلم سيما العربية.
ثم أخذ القراءات عن شيخي ومخدومي والدي، وقرأ عليه ختمات كاملات:
الأولى: جمع فيها القراءات العشر حسب ما تضمنه واشتمل عليه كتب الوالد "النشر" ومختصره "التقريب" ومنظمته الأرجوزة المسماة بـ "طيبة النشر" وما وافق ذلك من الكتب المطولات قراءة صحيحة مجودة مرتلة مشتملة على جميع الأوجه والطرق الصحيحة التي اختارها الوالد وارتضاها.
الختمة الثانية: جمع فيها بين روايتي قتيبة ونصير بمضمن "غاية" أبي العلاء و"مبهج" سبط الخياط و"مصباح" الشهرزوري و"كامل" الهذلي و"كفاية" أبي العز القلانسي، وغير ذلك.
الختمة الثالثة: رواية العمري عن أبي جعفر بمضمن "الغاية" و"الكامل" و"المصباح"، وغيرها.
الختمة الرابعة: بقراءة الإمام أبي عبدالله محمد بن محيصن المكي بمضمن "المبهج".
الختمة الخامسة: بقراءة الإمام أبي سليمان الأعمش بمضمن "المبهج"، وما وافق ذلك من كتاب "الجامع" و"الروضة".
وكان ملازمًا للوالد سفرًا وحضرًا في الحج وغيره، فأفاد واستفاد، وأتقنَ ما قرأ به على الوالد وأجاد، وانتفع به الناسُ، وزال بتحقيقه وتدقيقه عن أهل هذا العلم الشريف كثيرٌ من الالتباس.
وكان مِنْ أخص الناس وأعزهم عند الوالد، واعتنى به أشدَّ عناية حتى صار معلِّمي، ومنه تعلمتُ العروض، وحفظتُ عليه "الطيبة"، وكنت أعرضُ عليه القراءات أولًا، ثم على الوالد -وهو حاضر-.
وكان الوالد حين يقرئ الناس يُحضره أولًا، ثم يأخذ على الناس اعتمادًا عليه وعلى حذقه، ولا يكاد يأخذ على أحدٍ وهو غائب.
وكان آية في استحضار القراءات عجيبة، غاية في استنباط النكت الغريبة، وقد شهد الوالدُ بأنه في هذا العلم المبارك، لا يُدانى ولا يُشارك، وقرأ على الوالد جميع كتاب "النشر"، و"تقريبه"، وغير ذلك من تصانيفه، وعرض عليه من حفظه كتاب "طيبة النشر" من غير توقفٍ ولا تلعثمٍ، وسمع منه غير ذلك من الأحاديث المسلسلات، والعُشاريات، وقرأ عليه أكثر صحيح البخاري وأنا حاضرة وبيدي كتاب الوالد، وسمع منه بعضَه قبل ذلك بأصبهان سنة ثمان وثماني مئة.
ونظم قصيدة في قراءات العشر على وزن الشاطبية ورويها، استحسنها الوالدُ وطالعَها وسماها بـ "الطاهرة".
وقصيدة في اختلاف الآيات سمّاها: "نظم الجواهر" على وزن الشاطبية أيضًا لكن رويها الراء، أتى فيها ببدائع.
وقرَّره الوالدُ أنْ يجلس مكانه بدار القرآن التي أنشأها داخل مدينة شيراز، وأن يكون خليفته بها قائمًا مقامَه غاب الوالدُ أو حضر، فاجتمع عليه الناسُ ورُحل إليه من البلاد.
وكتبتْه سلمى بنتُ المؤلِّف".


ابن الجزري


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع