جهود وفكر الفقيه المصلح الشيخ محمد أرشوم
عبد المجيد رمضان | Abdelmadjid RAMDANE
09/10/2024 القراءات: 74
نشأ محمد أرشوم في بيت الصلاح والإصلاح، فقد كان والده الشيخ بكيرالموعود لبلدة بريان، والواعظ المأمول للمجتمع، واللصيق الدائم لشيخ الحلقة الشيخ عبد الرحمان بن عمر بكلي. أخذ مبادئ العلوم في مدرسة الفتح القرآنية والمدرسة الرسمية الأمير عبد القادر، ثم انتقل إلى القرارة مدينة العلم حيث استظهر القرآن الكريم سنة 1981، مع مواصلة الدراسة والاستزادة بمعهد الحياة، فلزم مشايخه يجمع ما لديهم من علم ومعرفة وأدب وثقافة وخبرة في الحياة، على غرار الناصر بن محمد مرموري، وسعيد بن بالحاج شريفي، ومحمد بن بابا الشيخ بالحاج، وصالح بن إبراهيم باجو، وغيرهم.
بعد تخرجه من معهد الحياة، توجه إلى سلطنة عمان، لكن بعد وفاة الشيخ عبد الرحمان بكلي، عاد إلى بريان بطلب من والده البصير الشيخ بكير ليكون له سندا ومرافقا ومتعلما. فتكوّن على يدي والده مدة أحد عشر سنة فقيها باحثا، ومؤلفا قديرا، وداعيا مصلحا، وقائدا حكيما، ولا يزال يطلب العلم، ويجالس العلماء، حتى وافته المنية يافعا لم يتجاوز السابعة والأربعين عاما.
تولى التدريس في مدرسة الفتح ببريان، وتدرج في مراحل التدريس من الطور الابتدائي إلى المستوى المتوسط، والمستوى الثانوي، ثم محاضرا في معهد الفتح للبنات. تجنّد لتطوير المدرسة ونظامها بسلاسة وحكمة وترك بصمات بيّنة وإنجازات عديدة ومشاريع كبيرة لا تزال ناصعة إلى يومنا هذا، حيث كان للشيخ محمد أرشوم اهتماما واسعا بالبنت وبتعليمها، شعورا منه بأهمية المرأة في المجتمع وبدورها في تكوين الرجل وبناء الإنسان، فضلا عن إشرافه على تربصات تعليم الصلاة التي تنظم كل صائفة يتلقى فيها التلاميذ المبتدئون للصلاة تكوينا روحيا يسهم في التنشئة الصالحة للفرد في المجتمع، وكذا إشرافه على الأعراس الجماعية وحرصه على الحفاظ على القيم الاجتماعية والمقومات الخاصة بالمجتمع المزابي.
ويذكر الأستاذ يوسف بن يحي الواهج أن نشاط الشيخ لم يتوقف داخل مدرسة الفتح، بل خرج إلى دعم وتفعيل الهيئات العرفية الرئيسة في مدينة بريان. ويقول عنه معاصروه أنه "أيُّما هيئة عُيّن فيها ودُعي إلى الانخراط فيها، إلا وحرّكها وحرّك أعضاءها، ونشّطها ونشّط مشاريعها، وبعث ما كان متوقفا فيها". وعرفت جمعية الفتح عندما تولى الشيخ محمد أرشوم مسؤولية أمين المال إنجاز عدة مركبات علمية واجتماعية جديدة مثل مركب التعليم المهني للبنات، ومركز الإفتاء والاستشارات القانونية. وأبدى نفس الصدق والإخلاص في حلقة العزابة، وفي عشيرته. وكان الداعي الأول إلى تأسيس رابطة الوعاظ وخطباء المساجد بمدينته، وتلقى دعوة للعضوية الشرفية لمؤسسي قناة القرآن الكريم التلفزيونية الجزائرية، والمشاركة في برامجها بمداخلات علمية وفي ندوات ولقاءات مختلفة المواضيع.
وكان للشيخ نشاط كبير لا يهدأ من على أكثر من منبر في مسقط رأسه وفي خارجه، شمال البلاد وشرقها وغربها وجنوبها، نصرة للدين وخدمة لخلق الله، وللمصلحة الاجتماعية العامة. فقد تحمل مسؤولية الإفتاء، ومرافقة وإرشاد حجاج بيت الله الحرام، والدعوة والوعظ والإرشاد، والإصلاح الاجتماعي، والمشاركة في الملتقيات والندوات العلمية آخرها في 2011 سنة وفاته بتلمسان بمحاضرة حول "الفتوى في وادي مزاب واقعا وآفاقا"، وقبلها بسلطنة عمان في الملتقى الدولي حول "التقارب بين المذاهب".
ذلك وإلى جانب نشاطه الكبير في مختلف الميادين، نجد له آثارا علمية راقية في معناها وفي مبناها، قدّم بها خدمة علمية جليلة، وإضافة كبيرة للمكتبة الوطنية الجزائرية، خاصة مؤلفه "الواضح في التاريخ" الذي يُدرّس حاليا في أغلب المدارس الحرة عبر التراب الجزائري.
جهود وفكر، الفقيه المصلح، الشيخ محمد أرشوم، وادي مزاب، الجزائر
مواضيع لنفس المؤلف