مدونة الدكتور محمد محمود كالو


إلْفُ النِّعْمَة المَرَضُ الخَفِيّ (1)

الأستاذ الدكتور محمد محمود كالو | Prof. Dr. Mohamed KALOU


23/10/2022 القراءات: 738  


إلْفُ النِّعْمَة المَرَضُ الخَفِيّ

النعم أنواع منوعة منها: نعمة الصحة في البدن والسمع والبصر والعقل وجميع الأعضاء، وأعظم من ذلك وأكبر: نعمة الهداية للدين والثبات عليها والعناية بها والتفقه فيها، قال تعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِينًا} [المائدة:3].

إلا أن كثرة النعم، والانغماس فيها، يورث الغفلة عنها ويجعل العبد ينساها ولا يقدرها حق قدرها، ولا يعرف قيمتها حتى يفقدها، إنه إلف النعم، إذا ألفها العبد كفرها، وكم من نعمة نتقلب فيها صباح مساء، ولا نعرف قيمتها ولا نشكرها بل نتذمر منها أحياناً، ولا نعرف قيمتها إلا حين نفقدها.

فإلف النعمة وتعوّدها مرض خفي إذا أصابنا أفقدنا بركة القليل وزيادة الكثير، ولقد كان لبني إسرائيل أكبر تحذير من الغفلة عن ذكر النعمة؛ لأنهم اشتهروا بالجحود، فقال سبحانه وتعالى: {يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُواْ نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ} [البقرة: 40]، والمقصود لا تغفلوا عن نعمتي التي أنعمت عليكم ولا تناسوها.

فلا يجحد بنعم الله إلا كل كفور، ولكن يتسلل للمسلم كفر النعمة عندما يألفها، ثم يغيب عن فكره عظيم النعمة فيها، ثم يكفرها وهو لا يشعر.

إن مجاهدة النفس على تذكر نعم الله تعالى أمر يغيب كثيرًا عن أذهاننا، وقد أشار القرآن إلى بعض النعم، ثم ذكر خاصية تمتاز بها تلك النعم أنها غير قابلة للإحصاء ولا للعد، نِعَم الله لا نهاية لها، ولا يستطيع أحد أن يحصيها ولا أن يعدها، قال الله تعالى: {وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَةَ اللّهِ لاَ تُحْصُوهَا إِنَّ اللّهَ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ} [النحل:18].

والخوف ليس من عدم إقرار النعم والاعتراف بها، إنما الخوف من إلف النعم بحيث ننسى كونها نعمة، ونتصور أنها حق لنا فحسب، الخوف من أن يغفل قلبنا فننسى أنه لولا الله تعالى ما كنا ولا تنفسنا ولا أمنا ولا هنأنا بطعام أو شراب، لولاه ما تكلمنا ولا سمعنا ولا فتح لنا أي باب.

إنه من العيب أن نأكل دون أن نذكر بين فترة وأخرى من يبيتون جوعى لا يملكون الطعام، أو لا يستطيعون أكله من شدة المرض، فنحمد الله تعالى أن مَنَّ علينا ومكننا.

ولنتفكر في سمعنا وبصرنا، أنا وأنت وهو وهي وهم وهن فإننا لا نملكه، الباري سبحانه هو الذي يملكه ويملك كل ما فينا فنبصر ونسمع ونتكلم بإذنه سبحانه وتعالى وبفضله ومَنِّه، وفي لحظة الإيمان نتذكر من فقد هذه النعم فنحمد الله تعالى.

لكن الانغماس في الحياة يحدث لنا نوعًا من التخدير فننسى النعم والمنعم الجليل، فإننا ننام بالليل ثم نصحو لصلاة الفجر باكرًا قبل طلوع الشمس، فإذا أشرقت شمس الصباح وطلع النور مضى كلٌّ إلى وجهته، وخرجوا من بيوتهم، ملايين البشر وأكثر في نور الصباح وتحت شمس مشرقة، مشهد يتكرر كل يوم وفي كل صباح، مشهد ألفناه حتى ما عاد يمثل لنا آية من آيات نعمه جل وعلا.
مَن أيقظنا مِن نومنا؟ مَن مكَّننا مِن السعي خارج بيوتنا؟ مَن سخَّر لنا الشمس تنير لنا الطريق؟ مَن يشكر هذه النعم، بل مَن يستشعر ويتفكر فحسب؟!
عجبًا للإنسان إن تكرار النعمة ينسيه إياها، وينسيه شكر منعمها، وكأن لسان حال الإنسان يقول: هذه الشمس التي تبث الحياة في الأرض هي من حقي، ويجب أن تطلع كل صباح، وينسى أنها هبة من الخالق تبارك وتعالى ولو شاء منعها من الإشراق.


إلْفُ النِّعْمَة، المَرَضُ الخَفِيّ، الشكر، الغفلة، نعم كثيرة


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع