مدونة حسن الخليفة عثمان


الراسخونَ في النُّبل وهمومهم في استقبال شهر رمضان

حسن الخليفة عثمان | Hassan Elkhalifa Osman Aly Ahmed


21/03/2023 القراءات: 1962  


نحن أمّة نؤمن بأن من فقدناهم بوباء فيروس كورونا، أو بالهَدْم إثر الزلزال المُدمِّر الذي أصاب تركيا وسوريا، أو بالسيول، هم من الشهداء؛ فعنْ أبي هُرَيْرةَ، قالَ: قالَ رَسُولُ اللَّه ﷺ:
《الشُّهَدَاءُ خَمسَةٌ: المَطعُونُ، وَالمبْطُونُ، والغَرِيقُ، وَصَاحبُ الهَدْم، وَالشَّهيدُ في سبيل اللَّه 》[متفقٌ عليهِ].
نسأل اللهَ أن يغفر لهم ويرحمهم ويتقبّلهم في منازل الشهداء، ويُلهِم ذويهم الصبر والسلوان.
وإذا كان للمتأمّلين المتدبرين في هذه الحوادث الجسام وقفاتٌ تُصحّح تصوراتهم لمشروع الحياة، ومعالِمِه الكُلّية، ومَهَامِّه الفرعية، ومناهج إدارته وتحقيق غاياته؛ فإن لقوافل الراسخين في النّبل: الذين يعيشون من أجل السلام، ويموتون من أجل المبادئ، هموم أخرى، وتساؤلات كبرى.
هؤلاء الراسخون الذين يحملون بنُبل لواء رِفاقهم من طواقم الإنقاذ الذين قضوا نحبهم تحت الأنقاض التي هرولوا إليها لينقذوا عجوزاً ضعيفة، أو عاجزاً مُعاقاً، أو طفلا رضيعاً، أو يحملون لواء نظرائهم من قوافل الأطباء النّبلاء الذين قضوا نحبهم في وباء كورونا باذلين حياتهم -التي لا تضاهيها مليارات الدولارات- من أجل إنقاذ حياة إنسانٍ قد لا يملك من مقومات الحياة غير إيمانه بأنّ هذه الحياةَ عامرةٌ بقوافل الراسخين في النُّبل، الذين اصفاهم الله بشرف العبور بالنّاس من مرارات النوازل وانكساراتها، وخسائرها، إلى حلاوة العافية، وانتصاراتها، وغنائمها.
فإذا كان في الدنيا راسخون في الوحل يُضحّون بالضعفاء والفقراء ثمنا لرغد الأقوياء، والأغنياء، من ذواتهم أو ذويهم؛ فإنّ في الحياة راسخين في النُّبل يُعلّمون النّاس أن الضَعَفةَ هم أمراءُ الركْبِ، ويدفعون حياتهم الغالية ثمناً لحياة ضعيفٍ أو فقيرٍ، مستضئين بوحي السماء: {وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا} [المائدة آية: 32]
إنّ العبور النّبيل من هذه الكوارث الجسام التي تمر بها أمّتنا، وعالمنا، هو صناعة ثقيلة من أثقل الصناعات، بهمومها الكبيرة، وتساؤلاتها الأكبر، التي تبلغ بها السبيل إلى خِططها، وبرامجها، لتحقيق أهدافها وغاياتها نحو ذلك العبور.
إنّها صناعةُ اليقينِ الذي يُجدّد الحياةَ بنُبلٍ راسخٍ، وعِلمٍ نافع، وحِكمةٍ مُضيئة، وعملٍ شاق، وأخوّةٍ إنسانيةٍ ساميةٍ، ورسالةٍ أصيلةٍ، ورؤيةٍ سديدةٍ، ومشروعٍ جامعٍ.
إنها الصناعة التي أنتجت مصانعُها الأولى النعمان بن مقرّن المزني، وأستاذه الفاروق عمر، الذي أرسل إليه آمراً:
"فإذا أتاك كتابي هذا فسر بأمر الله وبنصر الله بمن معك من المسلمين، ولا توطئهم وعراً فتؤذيهم ولا تمنعهم حقّاً فتكفرهم ولا تدخلهم غيضة؛ فإن رجلاً من المسلمين أحب إلي من مائة ألف دينار والسلام عليكم..."
فاستقبل النعمانُ الكتابَ استقبالَ العُظماء، الذين بلغوا الغاية العُظمى من الصيام وأسراره، والقيام وآثاره، وأدركوا أسرار الخلود، وصناعة النُّبل، وكتبوا بنُبلهم أشرف مواثيق القيادة المسئولة، التي تجود بالنّفس والنّفيس فداءً لأصغر جندي في صفوفها، ووفاءً لما يحفظ شرفَ مسئوليتها، ونقاء صحيفتها، وطهارة سيرتها؛ فكان آخرُ ما ودّع به الدنيا قوله:
"اللهم أعزز دينك وانصر عبادك واجعل النعمان أول شهيد اليوم، اللهم إني أسألك أن تقر عيني بفتح يكون فيه عز الإسلام واقبضني شهيداً..."
إنّ نحيب الفاروق عمر وحزنه الشديد على النعمان بعد استشهاده، هو زفرات الأستاذ النّبيل الوفي، المكلوم بفقدِ قائدٍ من الراسخين في النُّبل، الذين يضن الزمان أن يجود بالكثير منهم.
سلام على الأحياء الراسخين في النُّبل بهمومهم وهِمَمِهم حيثما حلوا أو ارتحلوا، وسلام وصلوات على الراحلين الراسخين في النّبل، بأجورهم ونورهم في مقعد صدق عند مليك مقتدر.
كل عام وجميع الأمّهات مناراتٌ تُضئ الطريق، وتهدي إلى النُّبل، وإلى الرشاد المبين.
كل عام وأمّتنا، وجميع شعوبنا بأوطاننا، وكل عالمنا، نُبلاء سعداء، وبلّغكم اللهُ رمضان وأنتم في أحسن حال، وأتم عافية، وأجمل سعادة، وتقبل الله صيامكم وإفطاركم وقيامكم وإحسانكم، وختم بالباقيات الصالحات أعمالكم.
اللهم صلِّ وسلّم وبارك على إمام النُّبلاء، وخاتم الأنبياء، سيدنا محمّد وعلى آله وصحبه أجمعين، والحمد لله رب العالمين.
كل عام أنتم بخير.


شهر رمضان، نبلاء، الراسخون، مشروع نبلاء، حسن الخليفة عثمان، الأمهات، هموم،


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع