مدونة الدكتور محمد محمود كالو


علم المناسبات: أهميته وظهوره وشروطه

الأستاذ الدكتور محمد محمود كالو | Prof. Dr. Mohamed KALOU


14/05/2022 القراءات: 2613  


علم المناسبات: أهميته وظهوره وشروطه
علم المناسبات ويطلق عليه عند أهل الاختصاص في التفسير وعلوم القرآن بـ"علم المناسبة" أو يطلق عليه بـ "علم المناسبات" وهذه المسميات هي المشهورة عند أهل العلم، وعبر عنه عادل بن محمد أبو العلاء، في كتابه مصابيح الدرر في تناسب آيات القرآن الكريم والسور بـعلم التناسب أو علم الترابط، وعبر الإمام عبد الحميد الفراهي الهندي عنه في كتابه دلائل النظام بنظام القرآن، وعلماء البلاغة كالجرجاني يطلقون عليه النظم.
وكلها أسماء قريبة من بعضها البعض، ويمكن القول أن المعنى الجامع بينها لمح المشاكلة والمقاربة التي يراها ويتأملها الناظر في القرآن الكريم بين الآيات والسور.
ويعرف الزركشي علم المناسبات في كتابه البرهان في علوم القرآن بأنه: "علم يجعل أجزاء الكلام بعضها آخذًا بأعناق بعض، فيقوي بذلك الارتباط ويصير التأليف حاله حال البناء المحكم المتلائم الأجزاء".
ويقول البقاعي في كتابه مصاعد النظر للإشراف على مقاصد السور: أن نسبة علم المناسبات من علم التفسير كنسبة علم البيان والمعاني من النحو باعتباره أصل العلوم.
علم المناسبات من أهم علوم القرآن، كما أنه يُعد من أهم وجوه الإعجاز القرآني، ولهذا العلم دور بارز في تحقيق هذا الإعجاز، فكل حرف وكل كلمة وكل جملة في القرآن الكريم وقعت في موقعها اللائق، كما أن علم المناسبات يُعين على فهم وتدبر القرآن الكريم بما يلائم العصر، وتعتبر الركيزة الأساسية لتذوق كلام الله، ومحاولة إدراك إعجاز القرآن؛ لذلك نجد أن أغلب من كتب عنه من المتأخرين هم من المهتمين بالجوانب الأدبية والفنية، لكونها الأداة الأولى لإدراك الإعجاز.
وعلم المناسبة قد يكون في التناسب بين السورة الواحدة من حيث تناسب آيات السورة بعضها ببعض، ومناسبة تسميتها لموضوعها، ومناسبة خاتمتها لفاتحتها، ومناسبة موضوعاتها المتنوعة مع المحور العام فيها وغرضها الرئيسي. وقد يكون كذلك في التناسب بين السور بعضها البعض، من حيث المناسبات اللفظية بين السور، ومناسبات الفواتح والخواتم بينها البين، والمناسبة الموضوعية، وعلم المناسبات ليس توقيفياً، بل هو علم اجتهادي توفيقي حيث يعتمد على اجتهاد المفسر.
ويوجد بين علم المناسبة والتفسير الموضوعي علاقة وثيقة الصلة خاصة من ناحية التفسير الموضوعي للسورة، فهما يجتمعان في بيان أهداف السورة وغايتها وأغراضها من ناحية بيان مناسبة آيات السورة الواحدة، وترابط أجزاءها، وتلاحم فقراتها؛ لأن الآية والآيات تنزل في حوادث متفرقة ومتباعدة وتنزل بأسباب مختلفة، ثم تُرتب في سورة واحدة، فيظهر لنا بالنهاية سورة واحدة ذات شخصية مستقلة وذات موضوع رئيسي تدور حوله وذات نظام يرد إليه موضوعاتها المختلفة.
وعلم المناسبات لم يظهر إلا في أوائل القرن الرابع الهجري، ويعتبر العلـمـاء النيسابوري أول من أظهر علم المناسبات في بغداد. وكان النيسابوري متفقهاً في الشريعة والأدب، وكان يهتم بالمناسبات في دروسه، كما قال عنه الشيخ أبو الحسن الشهراباني فيما نقله عنه الزركشي في البرهان والسيوطي في الإتقان: "أول من أظهر ببغداد علم المناسبة ولم نكن سمعناه من غيره هو الشيخ الإمام أبو بكر النيسابوري وكان غزير العلم في الشريعة والأدب وكان يقول على الكرسي إذا قرئ عليه الآية لم جعلت هذه الآية إلى جنب هذه؟ وما الحكمة في جعل هذه السورة إلى جنب هذه السورة؟ وكان يزري على علماء بغداد لعدم علمهم بالمناسبة"
وهذه الأولية للشيخ أبي بكر النيسابوري إنما هي باعتبار شدة العناية به كعلم مستقل، وإلا فإن علم المناسبات كان موجوداً عند المتقدمين كما صرح بذلك البقاعي، وكان منتشراً بين الصحابة الكرام وكبار التابعين حيث كانوا يهتمون بهذا العلم في القرآن الكريم ويعتمدون عليه في فهم آيات القرآن الكريم، منها ما رواه عبد الرزاق في مصنفه عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: "إذا سأل أحدكم صاحبه كيف يقرأ آية كذا وكذا فليسأله عما قبلها".
وممن أكثر من ذكر المناسبات من المفسرين الإمام فخر الدين الرازي، فقد اعتبر أول من دون المناسبة في التفسير في كتابه المسمى مفاتيح الغيب، إلى أن أُفرد بالتأليف على يد أبي جعفر الغرناطي في كتابه المسمى البرهان في مناسبة ترتيب سور القرآن، وجاء بعده برهان الدين البقاعي وأفرد لهذا العلم كتابين هما: نظم الدرر في تناسب الآيات والسور، و مصاعد النظر للإشراف على مقاصد السور، ويُعد هذان الكتابان من أهم الكتب في هذا المجال.
يمكن تلخيص شروط استنباط المناسبة فيما يأتي:
1) أن يكون هناك انسجام مع سياق المناسبة والسابق واللاحق.
2) ألا تعارض المناسبةُ الشرعَ.
3) ألا تعارض المناسبة اللسان العربي المبين، فالقرآن العظيم نزل بها.
4) أن توافق المناسبة تفسير الآية، ولا تخالفها مخالفة تضاد.
5) ألا يجزم المفسر القائل بالمناسبة بأنها مراد الله، بل هذا ما توصل إليه باجتهاده وتدبره.
6) أن يكون المفسر على علم بأن المناسبة موجودة، ولا يشترط أن تكون ظاهرة في كل موضع.
7) ألا يتعسف المفسر عند ذكره المناسبة دون قرينة ولا يبالغ فيخرج النص عن مساره.
8) العلم التام بعلوم البلاغة؛ لأن علم المناسبة وجه من وجوه الإعجاز القرآني البلاغي والبياني.



علم المناسبات، التناسب، النظام، علم الترابط، نظام القرآن، النظم


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع