مدونة د.نعيمة ابو حسنة


هجرة الشباب (الاسباب والاثار)Youth migration (causes and effects)

د.نعيمة ابو حسنة | DR.NAEMA ABO HASNA


10/10/2022 القراءات: 5144  


رغم أن الهجرة ظاهرة قديمة قدم الوجود الإنساني، فإنها شهدت ازدهاراً في العصر الحديث؛ لما تُتيحه من فرص أمام المهاجرين، ولسهولة التنقل بين الدول أكثر مما كان ممكناً من قبل، خاصة بعد ثورة المواصلات التي انعكست على تقليص المسافات وانخفاض تكاليف السفر، وسهّلت هجرة الناس إلى دول أخرى، لعوامل متعددة تتعلق بالدراسة والازدهار الاقتصادي وعدم المساواة والديموجرافيا والعنف والنزاع والتغير البيئي.
وفي المنطقة العربية باتت هجرة الشباب من البلدان العربية، خلال الأعوام الأخيرة، إلى الخارج هاجساً مخيفاً للحكومات والمنظمات على حد سواء في ظل تزايد أعداد المهاجرين خاصة من الكوادر الشابة والكفاءات العلمية المتخصصة، وما يترتب على ذلك من آثار سلبية تتمثل في حرمان هذه الدول من الاستفادة من خبرات ومؤهلات هذه الكفاءات لتؤثر سلباً على تطور الاقتصاد الوطني وعلى التركيب الهيكلي للسكان والقوى البشرية.
يضاف إلى ذلك ازدهار الهجرة غير الشرعية، التي أثارت الهاجس الأمني لدى الدول المستضيفة، خاصة في أوروبا؛ الأمر الذي دفع بالسلطات إلى فرض قيود معينة بهدف عقلنة الهجرة، أي الاعتماد على الهجرة الشرعية لتلبي وحدها متطلبات التنمية الأوروبية وسد حاجات سوق العمل الأوروبي، على أن يكون المهاجرون المعتمدون من أصحاب الأدمغة والكفاءات، وممن هم أكثر دراية وتأهيلاً في مجالات العمل المختلفة.
ويشكّل الشباب الفئة الكبرى الراغبين في الهجرة خاصة في سورية، ويأتي ذلك نتيجة للانهيار الاقتصادي الذي تشهده البلاد وتفشي البطالة وتردي الخدمات الحيوية من كهرباء وإنترنت، مما ينعكس سلباً على مستوى معيشتهم وتعليمهم وعملهم، وتشير تقارير لمنظمة الأمم المتحدة إلى أن 90% من السوريين يعيشون منذ عام 2020 تحت خط الفقر، في حين يعاني 12.4 مليون فرد سوري من انعدام الأمن الغذائي.
منذ اندلاع الحرب في سوريا عام 2012 ودخول البلاد في أزمة اقتصادية، أضحى السفر حلم للجميع ومنهم الشباب، وبالرغم من وجود بعض الدول التي لا تزال تستقبل السوريين بشروط صعبة، فإن العقبات الناتجة عن شروط الاستقبال والاستضافة، سواء للدراسة أو للعمل أو تلك المتعلّقة بارتفاع تكلفة السفر مقارنة بدخل المواطن في الداخل السوريّ، لا تزال تحول بين الشباب وحلم الهجرة. ويضطر الكثير من الشبان والشابات للتفكير في خيار الهجرة غير النظامية عبر مسالك وطرق تنطوي على مخاطر جمة تصل في بعض الأحيان إلى مرحلة الموت غرقاً أو تجمداً لكن مع تردي الأحول المعيشية والخدمية في المناطق الأمنة وصل الشباب إلى قناعة مفادها أن "السفر عبر طرق التهريب التي يمكن أن تؤدي إلى الموت لكنّها قد تحتمل النجاة، أفضل ألف مرّة من الموت جوعاً وقهراً في سورية".فالشباب السوريين لا يتوانون عن ركوب المخاطر وتعريض أنفسهم للويلات في طرق التهريب، هرباً من واقع معيشي وخدمي هو الأسوأ على الإطلاق منذ بداية الحرب السوريّة.
وبعد اتخاذ تركيا واليونان إجراءات صارمة للحدّ من تدفّق اللاجئين عقب موجة الهجرة الواسعة التي شهدها البلدين في عام 2015، بات طريق السفر إلى بيلاروسيا ومنها إلى بلدان الاتحاد الأوروبي واحداً من أبرز طرق الهجرة غير النظامية التي يختارها السوريون، حيث تدفق نهاية العام الماضي آلاف المهاجرين إلى الحدود البيلاروسية البولندية.
وتعد الأزمات السياسية والاقتصادية التي تشهدها دول العالم الثالث والحروب والصراعات الأهلية، أبرز ما يدفع المواطنين إلى الهجرة، يضاف إلى ذلك الشعور بالحرمان السياسي، والحرمان من الحق في العيش الكريم، ومغريات الهجرة.
 قياس الهجرة من خلال استطلاعات الرأي العام:
1- استطلاع المؤشر العربي 2018:
نفذه المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات ميدانياً، من خلال إجراء مقابلات وجاهية مع 18830 مستجيبًا ومستجيبة، من 11 بلدًا عربيًا، هي: موريتانيا، والمغرب، وتونس، ومصر، والسودان، وفلسطين، ولبنان، والأردن، والعراق، والسعودية، والكويت.
2- استطلاع البارومتر العربي Arab Barometer 2019:
نفذته شبكة البارومتر العربي بالتعاون مع “هيئة الإذاعة البريطانية” (BBC)، مستطلعاً آراء 25407 أشخاص وجهاً لوجه في 10 دول عربية هي: ليبيا، والمغرب، والعراق، وتونس، ومصر، والأردن، والسودان، والجزائر، ولبنان، واليمن، إضافة إلى الأراضي الفلسطينية المحتلة، وثم دولة الكويت التي انتهى مركز الآراء الخليجية من جمع بياناتها لاحقاً.
3- استطلاع جالوب العالمي:
نفذته مؤسسة “جالوب” للاستطلاعات ما بين عامي 2015 – 2017 بمقابلات وجاهية مع 453122 بالغاً في 152 دولة، وتزامنت فترة الاستطلاع مع كارثة الهجرة التي بدأت في أوروبا عام 2015.
وتوصلت الاستطلاعات الى النتائج الاتية:
a. الرغبة في الهجرة:
1. أظهر استطلاع شبكة البارومتر العربي أن 20% من المشاركين قد عبروا عن رغبتهم في الهجرة، وفي الفئة العمرية ما بين 18-29 عاماً وصلت النسبة إلى 52%،
2. وفي المقابل كشف استطلاع المؤشر العربي 2017 أن 26% من المستجيبين يرغبون في الهجرة.
3. أما في استطلاع جالوب العالمي 2015 – 2017 فقد ظهر أن 24% ممن يقطنون إقليم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا يفضلون الانتقال بشكل نهائي إلى بلد آخر إذا كانت لديهم الفرصة، وفي ارتفاع عن نتيجة الاستطلاع 2013 – 2016 التي كانت 22%.
وعلى مستوى المناطق كل على حدة:
1. أظهرت نتائج البارومتر العربي أن في ست من الدول المستطلع رأيها، يفكر في الهجرة عدد أكبر مما كان الوضع عليه في عام 2013، وقد شهد الأردن أكبر زيادة في هذا المجال، إذ ارتفعت نسبة الراغبين في الهجرة


هجرة الشباب


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع