صناعة إنسان وتشكيل مجتمع
هيبة بوربعين | wahiba bourabaine
11/06/2021 القراءات: 1995
إن العملية التحليلية للمخطط الحضاري، توضح لنا خمسة أطوار فيه، إذ هناك طور ما قبل الحضارة، وطور ما بعد التحضر، إوهنا يلاحظ (مالك بن نبي) اختلافا بين الإنسان ، إذ أن الأول إنسان خارج عن الحضارة و لكنه قابل لها، أما الثاني فخارج عنها ولم يعد قابلا لها إلا إذا تغير بصفة جذرية، وهذا لا يتأتى، إلا بالتقاطع الثوري، بين الحاضر والماضي. وبين هذا وذاك يقف الإنسان العربي اليوم، فهو إنسان معلق حضاريا، إذ يقف في منتصف طريق، وفي منتصف فكرة، وفي المنتصف هذا ما يستوجب البحث عن الإنسان الفعال في بناء حضارة، وهو الأمر الذي يتطلب تصفية المجتمع العربي المعاصر، وذلك للتقدم في الطريق الحضاري، بوجهين: - فأما أحدهما: سلبية تفصلنا عن رواسب الماضي. - وأما الآخر: إيجابية تصلنا بالحياة الكريمة. إن التفكير في البناء عند (بن نبي) متصل بالنظرة الموضوعية المستقبلية، فهي نظرة "تتصل بالشروط النظرية التي يجب أن تستجيب إليها النهضة العربية كي تحقق مصير الأمة العربية، وتساهم في تحقيق نصيب من مصير الإنسانية"، وهذا لا يمكن أن يقوم به إلا الإنسان الذي يشكل النقطة المركزية في كل العمليات الاجتماعية بوصفه كائن تاريخي، يشعر بالتاريخ، ويصنعه ويوجهه ولا يعيشه فحسب ككل الكائنات الأخرى. فالإنسان جهاز مثقف، ومن ثم لا يمكن اختباره كمادة ساكنة، بل إن اختباره يتم في ديناميكية، أي في سياقه التاريخي. إن البناء الحضاري في العالم العربي والإسلامي في واقعه الحالي بناء "سلبي"، ذلك أن الإنسان فيه لم يحدد موقفه بالضبط من عملية مجابهته للحضارة الغربية، فهو يأخذ منها أشياء حديثة معبرة عن روح العصر بالنسبة للغرب، ويمزج فيها أشياء أخرى من مخلفات حضارته التي ولت إلى ليل التاريخ، بينما يتطلب هذا البناء أفكار فعالة في نصف معادلته الثانية، وهي أفكار يجب أن تنبع من الاصطدام بواقع نهاية عصر، أي أن تقوم في العالم الإسلامي عموما و الغربي خصوصا بما يسميه علماء النفس "تصفية الرواسب". فمشكلتنا على المستوى الفكري تنحصر في كوننا ما زلنا نفكر انطلاقا من بديهيات فكرية هي عادات في واقعها، وبهذه العادات نجابه مشاكلنا، وهي تعبير واضح عن العجز، عن ابتكار المعاني وتمثلها، بينما الوضع الحقيقي لهذه المجابهة هو أن ننطلق من أفكار خلاقة وهذا لعلمنا أن العادات الفكرية تعمل على تعطيل التاريخ واتجاه الحضارة، وهذا معناه أن مشكلة الحضارة إنما تحل عن طريق الإنسان الجديد في العالم العربي المعاصر، أي الإنسان المتحضر،" الإنسان الذي يعود إلى التاريخ الذي خرجت منه حضارته منذ عهد بعيد. مشكلتنا إذن؛ هي في إعادة صياغة الإنسان ولكن ليس بإضافة معلومات إلى معلوماته السابقة. لأنه" سيبقى هو قديما في عاداته الفكرية وفي مواقفه أمام المشكلات. وبذلك لن تكون عنده حضارة ذاتية، وإنما تتكدس لديه حضارة شيئية. وإذا ما راجعنا (مالك بن نبي) في معنى الأشياء أو المنتجات الحضارية فإننا نجدها وسائل تعبر بها الحضارة عن ذاتيتها، وهي – منعزلة عن هذه الحضارة- أشياء، ومجرد أشياء بلا روح ولا فكر ولا ذوق، فإذا ما سلمنا بهذا، فهل يمكن ان يبني العالم العربي اليوم حضارة انطلاقا من أشياء حضارة الغرب؟
الحضارة ، الإنسان، الثقافة، الفكر، المجتمعات الحضارية.
يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع
مواضيع لنفس المؤلف
مواضيع ذات صلة