مدونة د.اعتزاز عبدالرحمن مصطفي محمداني


"إنسنة المدن العربية: نحو مستقبل مستدام ومتكامل"

اعتزاز عبدالرحمن مصطفي محمداني | Dr. Eatezaz Abdelrahman Mohammedani


13/03/2024 القراءات: 838  


يحتضن هذا المقال مفهوم"حق المدن" أو "إنسنة المدن" في إطار المدن العربية ، مستكشفًا طرقًا لبناء مدن تراعي احتياجات سكانها وتتمتع بمرونة كافية لتحمل التحديات الحالية والمستقبلية، ويهدف إلى تسليط الضوء على التحديات والفرص التي تواجه المدن العربية في ظل التغيرات الديموغرافية والاقتصادية والبيئية والاجتماعية والسياسية التي تشهدها المنطقة. كما يهدف إلى تقديم بعض المقترحات والأفكار لتحسين جودة الحياة والمشاركة المجتمعية والحوكمة الرشيدة في المدن العربية، لقد توصل المخططون الحضريون إلى فهم الفوائد العديدة للمدن التي تتبنى مفهوم الأنسنة، وكيف أن هذا المفهوم يمكن أن يساعد في تجنب النتائج السلبية للمدن التي لا تراعي البعد الإنساني. إذ يمكن أن يؤدي غياب الأنسنة إلى فقدان الروابط الاجتماعية والتواصل بين الأفراد، مما ينتج عنه تدهور في النسيج الاجتماعي للمدينة.
وبالرغم ان مفهوم الانسنة هو مفهوم قديم اهتم به الإسلام منذ القدم حيث توجد علاقة قوية بين الانسان وبيئته العمرانية وما يحيط به من فراغ وتمثل الطرقات نقاط التقاء وتجمع اجتماعي ، وورد عن رسول الله (ص) ما يدعو الى الاهتمام بالفراغ المراني كالطرقات حيثحث على إعطاء الطريق حقه مما يفسر ما يحمله نص الحديث في طياته من معاني إنسانية وجمالية واخلاقية، الا أنه نجد ان المدن العربية مرت بتطورات تاريخية عدة مما أثرت على شكلها ووظائفها، المدن العربية تواجه العديد من التحديات في مجالات مختلفة مثل البيئة والاقتصاد والمجتمع والثقافة، كما ان التحديات المشتركة، مثل الفقر والبطالة والتلوث والازدحام. و في ظل التغيرات والتحديات أعلاه تؤثر على مستوى المعيشة والصحة والتعليم والأمن في المدن العربية، كما تؤدي إلى ظهور بعض المشكلات، مثل التهميش والانقسام والصراع و تحول دون تحقيق رؤية المدن الإنسانية التي تضمن حقوق وكرامة سكانها وتوفر لهم فرص التنمية والمشارك ، الا أن هناك عدة عوامل متباينة في اغلب الدول العربية كالتنوع الثقافي والديني والعرقي، والتراث الحضاري والمعماري ، والذي يمكن أن يؤخذ التركيز على البعد الإنساني في المدينة في تصميم أو إعادة تأهيل الأحياء لتصبح مورداً سياحياً مهماً ونقطة جذب بالتركيز على الترميم والتأهيل العمراني القائم على التراث
أنسنة المدن هي منهجية عمل عمرانية تسعى بالأساس الى فهم وتفكيك الظواهر الاجتماعية والثقافية والاقتصادية في المدينة، وإعادة تقديمها كمنتجات عمرانية صديقة للإنسان، تتجلى فكرة الأنسنة في تحويل المدن إلى فضاءات مثالية للسكن والعمل، من خلال تكييف المرافق، الخدمات، البنية التحتية، والمساحات الخضراء لضمان استدامة البيئة الطبيعية. هذا المفهوم، الذي بات يحظى بقبول عالمي، يسعى لتحويل المدن إلى أماكن أكثر جاذبية للحياة، حيث يمكن للأفراد الاستمتاع بحياتهم، تنمية قدراتهم، وممارسة أنشطتهم العملية، الفكرية، والاجتماعية بأريحية، بعيداً عن كون المدينة مجرد مكان للسكن والعمل فحسب. يتجسد مفهوم الإنسانية في التصاميم المعمارية والحضرية من خلال عدة مبادئ أساسية، وهي:
• العدالة والإنصاف: يجب أن توفر المدن فرصًا متساوية لجميع سكانها بغض النظر عن خلفيتهم الاجتماعية والاقتصادية. وهذا يعني توفير خدمات تعليمية وصحية وبنى تحتية أساسية للجميع، بالإضافة إلى ضمان الحق في السكن اللائق كما يجب التركيز على الإنسان: تصميم المساحات بما يتناسب مع احتياجات الأفراد وراحتهم، وليس فقط لتلبية الوظائف العملية.
• المرونة والاستدامة: يجب أن تكون المدن قادرة على التكيف مع التغيرات البيئية والاجتماعية والاقتصادية. وهذا يعني الاعتماد على مصادر الطاقة المتجددة، وتبني أنظمة نقل عام فعالة، وتعزيز المساحات الخضراء، نشاء مبانٍ ومساحات تتناغم مع البيئة المحيطة، مما يعزز الاستدامة والرفاهية
• المشاركة المجتمعية: يجب أن يسمح تصميم المدينة لسكانها بالمشاركة في اتخاذ القرارات التي تؤثر عليهم. وهذا يعني تشجيع الحوار المجتمعي وفتح المجال أمام المبادرات التطوعية والمشاركات الشعبية في رسم مستقبل المدينة.
• الحفاظ على الهوية: يجب أن تحافظ المدن على طابعها الفريد وتراثها الثقافي. وهذا يعني حماية المباني التاريخية، وتشجيع الفنون المحلية، وإتاحة الفرصة لسكانها للتعبير عن أنفسهم بحرية , دمج العناصر الجمالية والثقافية في التصميم لإثراء تجربة الإنسان وتعزيز الهوية المحلية
للتوجه نحو مدن إنسانية، يجب على المدن العربية اتخاذ خطوات استراتيجية ومتكاملة تشمل الآتي :
- تعزيز الحوكمة الرشيدة والشفافية والمساءلة في إدارة المدن وتخطيطها.
- تحسين البنية التحتية والخدمات العامة والموارد المالية للمدن لتلبية احتياجات سكانها وتحسين جودة حياتهم.
- تعزيز التنوع والتضامن والاندماج الاجتماعي والثقافي في المدن وحماية حقوق الأقليات والفئات المهمشة.
- تعزيز الابتكار والإبداع والتعليم والثقافة في المدن لزيادة قدرات سكانها وفرصهم في سوق العمل.
- تعزيز الاستدامة البيئية والتخفيف من آثار التغير المناخي في المدن والحفاظ على الموارد الطبيعي
بناء مدن قابله للعيش فيها ليس مجرد عملية هندسية أو معمارية، بل هو مشروع اجتماعي ثقافي واقتصادي يتطلب مشاركة جميع فئات المجتمع. من خلال الالتزام بمبادئ العدالة والمرونة والمشاركة المجتمعية، يمكننا خلق مدن تحمي كرامة الإنسان وتستجيب لتحديات العصر الحديث ، أتمنى أن يفتح هذا المقال آفاقًا جديدة للتفكير في مستقبل مدننا العربية، نحو بناء مدن أكثر إنسانية ورحمة لجميع سكانها


أنسنة المدن، التخطيط الحضري، التحديات العمرانية، ا لتنمية المستدامة، لتراث الحضاري


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع