مدونة الباحث/محمد محمد محمود إبراهيم


في الْمعاشرةِ والْحِلْمِ وآثارِهِ(1)

باحث /محمد محمد محمود إبراهيم | MOHAMED MOHAMED MAHMOUD IBRAHIM


03/12/2022 القراءات: 409  


ويعْجِبنِي جواب ما ذكِر فِي الْقِصةِ الْمشْهورةِ مِنْ أن معلما كان يلْقِي درْسا أوْ هو يعِظ فتقدم إِليْهِ إِنْسان لمْ يسْتعْمِلْ الرفْق وتسرع فِي الانْتِقادِ وخطأ الْمعلم جهْرا والناس يسْمعون ومضى الشيْخ فِي شرْحِهِ ثم بعْد ذلِك تبين لِلناقِدْ أنه أخْطأ وأن الصواب ما قاله الشيْخ فذهب إِليْهِ فِي بيْتِهِ معْتذِرا مِما فرط مِنْه فقال له الشيْخ نظْما جوابا له :
جفاء جرى جهْرا لدى الناسِ وانْبسطْ وعذْر أتى سِرا فأكد ما فرطْ

ومنْ ظن أنْ يمْحو جلي جفائِهِ خفِي اعْتِذار فهو فِي أعْظمِ الْغلطْ

فالنقْد يجِب أنْ يكون بِالتِي هِي أحْسن لِيكون مِنْ ورائِهِ نجاح الْقصْدِ والسلامةِ مِنْ الإِثْمِ والزللِ وكان الْواجِب على الْمنْتقِد أنْ يلطف الْكلام ويأْتِي بِصِيغةِ سؤال واسْتِفْهام ويسْأل منْ حوْله قبْل أنْ يتكلم هذا إِذا كان متيقنا لِلْخطأِ وإِلا فبعْد التثبتْ يبين له ذلِك بِالْكلِمِ الطيب والْمعْروفِ مِن الْقوْلِ ولْيحْذرْ مِنْ خشونةِ الْكلامِ فإِنها منفرة وداعِية إلى التمادِي فِي الْباطِلِ .
وعلى الْحلِيمِ أنْ لا يتجاوز الْحد الْمشْروع لِرد الْمعْتدِينِ وردْعِهِمْ وإِلا كان متهورا ظالِما فالشجاعة تسْتلْزِم الْحِلْم لأن الشجاعة ليْستْ مجرد الْقوةِ التِي يسْتطِيع بِها الْمرْء مواجهة الأخْطارِ بِل لا بد معها مِنْ ضبْطِ النفْسِ عِنْد الْغضبِ حتى يتمكن مِن إتباعِ سننِ الدينِ .
والشجاعةِ هِي الْحد الْوسط بيْن رذِيلتِي الْجبْنِ والتهورِ ففِي الْجبْنِ تفْرِيطِ وتضْيِيع وتقْصِير وفِي التهورِ إِفْراط وتعد لِلْحدودِ وفِي الشجاعةِ السلامةِ بِأنْ يقْدِم حيْث يرى الإِقْدام عزْما ويحْجِم حيْث يرى الإِحْجام حزْما .
ويترتب على الْحِلْمِ آثار جلِيلة ومنافِع عظِيمة يعْرِف الإِنْسان قدْرها إِذا حصل الْغضب وآثار الْعواطِف وآثار النفوسِ وشب نار الْفِتْنةِ فاضْطربتْ الأمور وتغيرتْ واسْتحْكمتْ الْعداوة والْبغْضاء واسْتوْلى على النفْسِ حب النزاعِ والصدام وحبب إلى النفوسِ الْفتْك والدمار ونسِيتْ عواقِب الأمورِ مِما يجره الطيْش والتهور مِنْ بلاء ودمار وشقاء ونتائِج وخِيمة فعِنْد ذلِك يتبين ويظْهر فضْل الْحِلْمِ .
فإِن الْحِلْم إِذا أراد الله يدْفع بِهِ هذِهِ الشرورِ لأن الْحلِيم يسْتطِيع إِذا

وفقه الله أنْ ينْظر إلى كل أمْر مِنْ الأمورِ نظرا صادِقا ويقدره تقْدِيرا صحِيحا ويزِنه بِمِيزان عادِل فلا يسْتخِفه الْغضب والطيْش فيدْفعه إلى الْمخاطرةِ ويسوقه إلى ما لا قِبل له بِهِ .
فالْحِلْم خيْر وِقاية تقِي مصارِع السوءِ وتحْفظ مِنْ الْوقوعِ فِي مواطِنْ الْهلاكِ
وقدْ مثل الْعلماء لذلِك أمْثِلة مِنْها إِذا كان الْحاكِم حلِيما لا يسْتنْفِزه الْغضب إلى إِبْرامِ الأمورِ قبْل التثبتِ مِنْها فإِنه يكون نِعْمة وبركة على نفْسِهِ وعلى رعِيتِهِ لأن التثبت فِي الأمورِ قبْل إِبْرامِها يسْتلْْزِم الْعدْل وإِعْطاء كل ذِي حق حقه وجزاء كل فرْد بِما هو أهْله وبِذلِك تسْتعِد وتدوم الدوْلة بِإِذْنِ اللهِ وترْتفِعْ مكانته عِنْد اللهِ وعِنْد عِبادِهِ .
الْمِثال الثانِي : الزعماء والرؤساء إِذا كانوا حلماء فإِنهمْ يرْفعون عنْ أتْباعِهِمْ إِذا أراد الله كثِيرا مِنْ الأذى ويدْفعون عنْهمْ شر التنازعِ والْخصومات مع بعْضِهِمْ ومع غيْرِهِمْ فإِن الْحلِيم يمْكِنه أنْ يعالِج الأمور بِالْهدوءِ والرفْقِ والتلطفِ ويفكر فِي الْوسائِلِ والأسْبابِ التِي تزِيلْ الأحْقاد والضغائِن والْخِصام ويكفهمْ عنْ الشر ويأْخذ مِنْهمْ بِحِلْمِهِ ولِينِهِ ما لمْ يسْتطِعْ أخْذه بِقوتِهِ وجاهِهِ فتنْحسِم مادة الشر ويحِل الْوِئام محل الْخِصامِ .
ومِنْ الأمْثِلةِ الْقضاة إِذا كانوا متصِفِين بِالْحِلْمِ فإِنهمْ بِإِذْنِ اللهِ يهْتدون إلى الصوابِ ويظْهر لهمْ الْحق لأن سعة صدْرِ الْقاضِي لاسْتِماعِ جمِيعِ ما يذْكره الْخصوم وحِلْمه عليْهمْ حتى يدْلوا إِليْهِ بِكل حججِهِمْ ويبينوا له كل ما

يسْتطِيعونه مِنْ طرقِ الإِثْباتِ مِنْ خيْرِ الْوسائِلِ التِي تفِيد فِي اسْتِنْباطِ الْحق ومعْرِفةِ الْمبْطِلِ مِنْ الْمحِق بِخِلافِ الأحْمقِ الْغضوبِ فإِن ضرره أكْثر مِنْ نفْعِهِ وخطأه أكْثر مِنْ صوابِهِ .


في الْمعاشرةِ والْحِلْمِ وآثارِهِ(1)


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع