مدونة الباحث/محمد محمد محمود إبراهيم


بيان خطر ذوبان الشخصية المسلمة وتميعها،

باحث /محمد محمد محمود إبراهيم | MOHAMED MOHAMED MAHMOUD IBRAHIM


22/01/2023 القراءات: 292  


✍️قضية "مبدأ"
لقد لَفَتَنا سلفنا الصالح إلى التمايز الحضاري، والمحافظة على " قشرة " معينة تفترق بها أمتنا عن سائر الأمم، وهذه " القشرة " التي تحمي " الهوية " الإسلامية المتميزة هي ما أسماه علماؤنا رحمهم الله: " الهدى الظاهر "، وأفاضوا في بيان خطر ذوبان الشخصية المسلمة وتميعها، فما يشيع على ألسنة الناس من أن " العبرة بالجوهر لا بالمظهر " (1) ينطوي على مغالطة جسيمة، وخداعٍ كاذب، لأن كلًّا من المظهر والجوهر لا ينفك عن الآخر، والظواهر هي المعبرة عن المضامين، وهي الشعارات التي تحافظ على الشخصية، إنها قضية " مبدأ " وليست مجرد شكل ومظهر، ولنضرب مثالًا على ذلك: حكم التشبه بالكفار في أحوالهم الظاهرة، وتأثير ذلك على قلب المتشبه بهم: -
الارتباط بينَ الظاهر وَالباطِن
لقد تقرر عند العلماء المحققين أن هناك ارتباطًا وثيقًا بين الظاهر والباطن، وأن للأول تأثيرًا في الآخر، إن خيرًا فخير، وإن شرًّا فشر، وإن كان ذلك مما قد لا يشعر به الِإنسان في نفسه، ولكن قد يراه في غيره.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، وجزاه عن الاسلام وأهله خير الجزاء:
( .. وهذا أمر يشهد به الحس والتجربة، حتى إن الرجلين إذا كانا من بلد واحد، ثم اجتمعا في دار غربة كان بينهما من المودة والموالاة والائتلاف أمر عظيم، وإن كانا في مصرهما لم يكونا متعارفين، أو كانا متهاجِرَيْنِ، وذلك لأن الاشتراك في البلد نوع وصف اخْتُصَّا به عن بلد الغربة، بل لو اجتمع رجلان في سفر أو بلد غريب، وكانت بينهما مشابهة في العمامة أو الثياب أو الشعر أو المركوب ونحو ذلك، كان بينهما من الائتلاف أكثر مما بين غيرهما، كذلك تجد أرباب الصناعات الدنيوية يألف بعضهم بعضًا ما لا يألفون غيرهم، حتى إن ذلك يكون مع المعاداة والمحاربة، إما على ْالملك وإما على الدين، وتجد الملوك ونحوهم من الرؤساء -وإن تباعدت ديارهم وممالكهم- بينهم مناسبة تورث مشابهة ورعاية من بعضهم لبعض، وهذا كله بموجب الطباع ومقتضاها، إلا أن يمنع من ذلك دين أو غرض خاص، فإذا كانت المشابهة في أمور دنيوية تورث المحبة والموالاة، فكيف بالمشابهة في أمور دينية؟
فإن إفضاءها إلى نوع من الموالاة أكثر وأشد، والمحبة والموالاة لهم -أي الكفار- تنافي الِإيمان، قال تعالى: {لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آَبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ
عَشِيرَتَهُمْ أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ} (1) الآية.
فأخبر سبحانه وتعالى أنه لا يوجد مؤمن يُوَادُّ كافرًا، فمن وادَّ الكفار فليس بمؤمن، فالمشابهة الظاهرة مظنة الودة فتكون محرمة) (2) اهـ.
وهذا كله يؤيد أن مخالفة الكفار ليست أمرًا تعبديًّا محضًا، بل هو معقول المعنى واضح الحكمة كما بينه شيخ الِإسلام رحمه الله.
وقال شيخ الِإسلام في موضع آخر: (وهذه الأمور الباطنة والظاهرة بينهما -ولا بد- ارتباط ومناسبة، فإن ما يقوم بالقلب من الشعور والحال يوجب أمورًا ظاهرة، وما يقوم بالظاهر من سائر الأعمال يوجب للقلب شعورًا وأحوالًا، وقد بعث الله محمدًا - صلى الله عليه وسلم - بالحكمة التي هي سنته، وهي الشرع والمنهاج الذي شرعه له، فكان من هذه الحكمة أن شرع له من الأعمال والأقوال ما يباين سبيل المغضوب عليهم والضالين، وأمر بمخالفتهم في الهدي الظاهر، وإن لم يظهر لكثير من الخلق في ذلك مفسدة لأمور:
* منها: أن الشاركة في الهدي الظاهر تورث تناسباً وتشاكلًا بين المتشابهين يقود إلى الموافقة في الأخلاق والأعمال، وهذا أمر محسوس، فإن اللابس ثياب أهل العلم مثلًا يجد من نفسه نوعَ انضمامٍ إليهم، واللابسَ لثياب الجند القاتلة -مثلًا- يجد من نفسه نوعَ تخلق بأخلاقهم، ويصير طبعه مقتضيًا لذلك إلا أن يمنعه من ذلك مانع.
* ومنها: أن المخالفة في الهدي الظاهر توجب مباينةً ومفارقة توجب الانقطاعَ عن موجباتِ الغضب وأسبابِ الضلال، والانعطافَ إلى أهل الهدي والرضوان، وتحقق ما قطع الله من الوالاة بين جنده المفلحين وأعدائه
الخاسرين، وكلما كان القلب أتم حياة وأعرف بالِإسلام الذي هو الِإسلام -لست أعني مجرد التوسم به ظاهرًا أو باطنًا بمجرد الاعتقادات التقليدية من حيث الجملة- كان إحساسه بمفارقة اليهود والنصارى باطنًا أو ظاهرًا أتم، وبعده عن أخلاقهم الموجودة في بعض المسلمين أشد.
* ومنها: أن مشاركتهم في الهدي الظاهر توجب الاختلاط الظاهر حتى يرتفع التميز ظاهرًا بين المهديين المرضيين، وبين المغضوب عليهم والضالين، إلى غير ذلك من الأسباب الحكمية، هذا إذا لم يكن ذلك الهدي الظاهر إلا مباحًا محضًا لو تجرد عن مشابهتهم، فأما إن كان من موجبات كفرهم فإنه يكون شعبة من شعب الكفر، فموافقتهم فيه موافقة في نوع من أنواع معاصيهم، فهذا أصل ينبغي أن يتفطن له) اهـ.


بيان خطر ذوبان الشخصية المسلمة وتميعها،


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع