مدونة ياسر جابر الجمال


البعد العربي في شخصية الإسكندرية.

ياسر جابر الجمال | Yasser gaber elgammal


08/01/2024 القراءات: 419  


ليس هناك مؤكدات تاريخية تشير إلى أن مصر كانت بمعزل عن الثقافة العربية بالكلية؛ لأن الثابت تاريخيًا أن مصر على مدار تاريخها كانت منفتحة على الثقافات حولها، سواء في بلاد الشام أو في اليمن أو شبه جزيرة العرب، بل إن هناك مؤشرات تدل على وجود هجرات عربية من الجنوب عبر البحر، حيث" إن القبائل العربية بدأت تنحدر من شبه الجزيرة العربية متجهة صوب أفريقيا منذ النصف الثاني من القرن الأول الهجري بعد فتح مصر، فهاجرت عند ذلك أكثر القبائل العربية إلى القطر المصري، ولم يتوقف هذا التيار العربي المتدفق حتى القرن الخامس الهجري تقريبًا"( ).
وعلى هذا يمكن القول أن مصر لم تكن غريبة على الثقافة العربية حين فتحها عمرو بن العاص منذ اللحظة الأولى بأمر الخليفة عمر بن الخطاب (رضي الله عنه)، ولقد استقبل المصريون العرب الفاتحين استقبالاً ساده نوع من القبول النفسي والرضا؛ بسبب معاناة المصريين التاريخية من اضطهاد الرومان، " قبل الفتح الإسلامي كان المصريون يعانون عنتًا كبيرًا من البيزنطيين، ما دفعهم لاستقبال القوة الإسلامية الفاتحة بالترحاب، وكانت أخبار العهدة العُمريَّة الخاصَّة ببيت المقدس ونصارى الشَّام قد وصلت لمسامع المصريين، ما أثار الراحة بينهم للحكم الجديد، وزاد تلك الراحة ما وجده المصريون من مبادئ للمسلمين، مثل مبدأ حرية العقيدة، وعدم الجبر على دين الفاتحين"( ).
ولقد عمل عمرو بن العاص منذ اللحظة الأولى على خلق روح التسامح وتخليص المصريين من اضطهاد الرومان، ولم يقتصر ذلك على الفسطاط التي أنشأها عمرو بن العاص كعاصمة له في مصر، وإنما امتد عمل عمرو بن العاص إلى الأقاليم، وبخاصة الإسكندرية التي شاع القول غير المنطقي حول قيام ابن العاص بإحراق مكتبتها وتراث الهيلستينية فيها، وهو قول لم يقم عليه دليل مؤكد، وإنما ما يهمنا في هذا السياق هو وجود قبول كبير لدى المصريين تجاه الثقافة الإسلامية والعربية، وكانت الإسكندرية حاضرة كبيرة متأثرة تأثرًا شديدًا بهذه الثقافة العربية، يقول الأستاذ العقاد: "فَحْوَى تلك الرواية أن عمرو بن العاص رَفَع إليه خبر المكتبة الكبرى في الإسكندرية، فجاءه الجواب منه بما نصه: (أما الكتب التي ذكرتها، فإن كان فيها ما يوافق كتاب الله، ففي كتاب الله عنه غنى، وإن كان فيها ما يخالف كتاب الله فلا حاجة إليه، فتقدم بإعدامِها)، قال مُفصِّل هذه الرواية: فوُزِّعت الكتب على أربعة آلاف حمام بالمدينة، ومضت ستة أشهر قبل أن تستنفد لكثرتها"( )، والعقاد يسلِّم "أن كذب الحكاية أرجح مِن صدقها، وأنها موضوعة في القرن الذي كتبت فيه، ولم تتَّصِل بالأزمنة السابقة لها بسند صحيح"( ).
ولما كانت الإسكندرية بطبعها مدينة منفتحة طوال الوقت على الثقافات الوافدة، فلقد أسرعت بالتعرف الفكري والنقدي قبولاً ورفضًا على هذه الثقافة العربية، وهذا يفسر لنا لماذا اختارها عدد كبير من المتصوفة مستقرًا ومكانًا دائمًا للإقامة والعمل، فقد" كانت الإسكندرية قد بلغت قمة ازدهارها الثقافي في العصر الأيوبي، وفيها ازدهرت حركة التصوف وكانت قبلة علماء المسلمين من المشرق والمغرب"( ).
وهذا يؤكد لنا "أن الإسكندرية القديمة التي عاش فيها أعظم متصوفة وعلماء الإسلام وتركوا خلفهم أعظم المساجد ورغم ذلك ظلت تحتفظ بروحها الإنساني، وانظر إليها الآن ترتفع فيها المساجد كل يوم وفقدت في نفس الوقت روحها الإنساني. لم يكن أبو العباس المرسي ولا سيدي العدوي ولا سيدي ياقوت ولا سيدي جابر ولا سيدي القباري ولا غيرهم وما أكثرهم في الإسكندرية كفارًا أيها الناس، كانوا رموزًا إسلامية يعرفون أن الإسلام دين التسامح"( ). ومن ذلك نلاحظ التصوف الذي انتشر في الإسكندرية وتأثر الشعراء السكندريين به، وانتشار شعر الصوفية


العربي ، الإسكندرية.


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع