مدونة محمد كريم الساعدي


الهوية الجمالية (الابتكار والهوية )/ الجزء الأول

أ.د محمد كريم الساعدي | Mohamad kareem Alsaadi


24/10/2022 القراءات: 934  


للهوية الجمالية تاريخ من الابتكار يؤسس له في شتى أنواع الفعل والقول والنتاج الصوري في العقل الجمعي في الحضارة الإنسانية ،لذا فإن (فريدريك نيتشه) يضع في كتابه (مولد التراجيديا) أشارة لذلك من خلال شخصية (هوميروس) (1) وهو محور هذا المقال الذي يبحث في هذا الجانب الجمالي ومعطياته الفكرية في صناعة مفهوم البطل وجماليات الظهور وتأسيس الهوية في الحضارة الإغريقية ، وما أسس عليه في الحضارة الغربية عامة . وبالعود الى (نيتشه) الذي يرى الآتي : (هوميروس ... يبدو وهو مندهشاً وهو ينظر الى الرأس الرائع لآلهة الفن (الميوزات) المخلّصة التي تتقلد الدروع الحربية). وهذه الرؤية المندهشة الملهمة تصنع فعلتها في خيال (هوميروس) في نتاجاته الملحمية المؤسسة للتاريخ الإغريقي البكر ، حسب رؤية نيتشه لـ (هوميروس) المؤسس الأول والمبتكر لأحد روافد الهوية الجمالية الإغريقية.
إنَّ من أولويات البحث في التاريخ القديم الذي أصبح من علامات الابتكار في الفكر الغربي الجمالي ، وما صنعه وأبدعه شاعر رسم خطى التجربة الأولى لتصبح بعد ذلك من علامات التمركز وقصديات السياق العام في صورة البطل في الذاكرة الغربية وغائيته التاريخية ، فـ(هوميروس) ، الذي أبدع (الإلياذة) (2) ، وأختها (الأوديسا)، وجعلهما " مصدر هام لمعرفة الأسطورة اليونانية ، ونرى الأسطورة فيهما وكأنها قد تكونت وترعرعت وتكاملت أو تكاد في خطوطها الكبرى الجوهرية . وما يضاف إليهما فيما بعد بمثابة التنميق والتوشية والزخرف على ثوب من دمقس فاخر . أما جو هاتين الملحمتين فهو جو حضارة مزدهرة ، جو بذخ وعظمة واقتدار يتجلى لنا عند عظماء وأمراء الإغريق " (3)، صوّر من خلالهما (هوميروس) صورة هذه الحضارة النواة لمفهوم الهوية الجمالية التي عظّمت من صورة البطولة لديهم ، وخاصة في (الإلياذة) التي جعل فيها البذرة الأولى لصورة البطل المخلّص في البناءات الأولى للهوية الجمالية ، إذ عمل على بناء معطى جمالي أولي في البدايات الشعرية الأولى في ملاحمه على أعتبار أنه عمل على " التقاط الحساسية الأسطورية البدائية، حيث كانت أحداث الوجود الإنساني تُرى وثيقة الارتباط بالملكوت الأبدي للآلهة ومغتنية به. فالرؤية الإغريقية القديمة كانت تعكس نوعاً من الوحدة الحقيقة بين الإدراك الحسي المباشر والمعنى الأزلي، بين الظرف الخاص والدراما الكونية، بين نشاط الإنسان ودفع السماء. ثمة أشخاص تاريخيون كانوا يعيشون بطولات أسطورية في الحرب" (4) وأصبحت هذه الصورة جزء مهم من التجربة التاريخية التي تحكم العلاقات بين المتصارعين من منطلقات التبرير التاريخي لتأسيس الفكر الكوني في أنتاج هذه التجربة التاريخية وابتكار الهوية الجمالية في الفكر اليوناني القديم ، إذ " ظهرت المصطلحات الأولى لعلم الجمال عند الإغريق القدماء وفي أشعار (هوميروس) على وجه التحديد . فقد أستعمل (هوميروس) أم التعبيرات الجمالية مثل : الرائع ، والجمال ، والتناسق . فكل ما هو رائع متناسق بالنسبة لهوميروس هو موضوعي واقعي ، يمكن أن يفهمه الأنسان ويلمسه بحواسه " (5)، والصيغ الجمالية التي حددها هوميروس تعد البداية الاولى في تحديد هوية فكرية جمالية في التاريخ اليوناني القديم ، على أعتبار أن المصطلحات التي أطلقها أسست للفهم الحقيقي الذي يتردد في المستقبل صداه عند فلاسفة إغريق ، فالرائع ، والجمال ، والتناسق من المعطيات التي تحدد المعايير الجمالية في تشكيل صورة البطل في ملاحم (هوميروس) .


الهوية ، الجمال


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع