نقل المعلومة وتوثيقها بين إحداث المعرفة وتكرارها .2
ياسر جابر الجمال | Yasser gaber elgammal
19/02/2024 القراءات: 457
القضية السادسة، وهي نقل المعلومة من المصدر فإنها تكون بالنقل المباشر من المصدر أو بالإطلاع أو على المعلومات التي تخدم الموضوع من المصادر ثم يحدث بعد ذلك النقل، ويكون بالصورة الحرفية للنص بين علامات التنصيص، وتارة يكون بالمعنى الموجود في النص، وفي ذلك يقول أستاذنا / عاطف معتمد الدرعمي :"يتمتع معظم الباحثين بمستوى ذكاء متوسط أو فوق المتوسط، وهناك فروقات بينية تجعل أحدهم يتقدم على الآخرين.
وإذا افترضنا تتثبيت كل العوامل الأخرى، من ظروف مالية واجتماعية واتزان نفسي وعافية بدنية وعدم وجود عراقيل ونيران صديقة، سنجد أن الإحاطة بالمراجع عامل فارق محوري.
في عام 2008 رافقت أستاذا مصريا شهيرا في الجغرافيا إلى تونس، وهناك قال لي "ها قد وصلت للدولة التي كتبت عنها بحثا قبل عشر سنوات دون أن أراها بعيني!"
لا يعرف كثيرون أن جمال حمدان كتب عن تفاصيل جغرافية مصر دون أن يكون قد رأي بعينه أو داس بأقدامه على معظم الأقاليم والبقاع التي تحدث عنها، بل استعان بنحو ألف مرجع كان مؤلفوها قد قاموا بالرحلات والانتقالات والسفر وجمع المادة العلمية من مصادرها الأولى.
وما قام به حمدان هو امتداد لمدرسة شهيرة في الإحاطة بالمراجع قبل الكتابة وصياغة الفكرة والنظرية.
في السيرة الذاتية للفيلسوف المصري زكي نجيب محمود محطة مهمة أعير فيها لدولة عربية خليجية شقيقة لم تكن فيها مراجع عن الفلسفة الأوروبية التي كان يهواها الفيلسوف الكبير، بل كانت عامرة بكتب التراث الإسلامي، وهنا حدثت نقلة نوعية في ما قدم من أعمال ومقالات ورؤى بعد أن وجد نفسه في مكتبة عامرة بمراجع إسلامية دون سواها.
وفرة المراجع والمصادر تحتاج إلى إدارة رشيدة للعقل. فلو قرأت كل شيء ستصبح تابعا للجميع، ولن تكون لك شخصية. وهنا لا تكتمل نعمة المراجع إلا بصفة أخرى تحتاج إلى تدريب منهجي طويل أي القراءة النقدية.
الاكتفاء برؤية نقدية وحدها – وهي خصلة نعاني منها جميعا – لا يسمح لك سوى بغلاف لامع من الحكمة والنقد وزعم نفاذ البصيرة، ولكن من دون أسس وقواعد من المراجع و"أمهات" الكتب.
في كلمتين: أنت ما تقرأ..أنت المَرَاجِع !(( ))
وفي التعامل مع المصادر والمراجع فإن هذا علم يدرس من حيث التعامل والتوثيق، وقد تكلمنا على التعامل المعرفي أو جزء منه مع المصدر، بقي الإشارة إلى التعامل مع المصادر والمراجع في التوثيق ونقل المعلومة، فمن يرى من العلماء أن المصدر عند ذكره أول مرة في البحث تذكر بياناته كاملة من : اسم المؤلف / أوالكتاب، ثم اسم الكتاب أو المؤلف – هذا حسب من يبدأ باسم المؤلف أو الكتاب- ثم المحقق في حالة كون الكتاب محققًا، ثم دار النشر، ثم الطبعة، ثم سنة النشر. وفي حالة عدم توافر سنة النشر يكتب ( د- ت)، و(د- ط) في حالة عدم معرفة رقم الطبعة.
وبعد ذلك يذكر اسم الكتاب / المؤلف، ثم رقم الصحفة أو الجزء، في حالة تعدد الأجزء، وهكذا على امتداد البحث.
ويري البعض الآخر أن يكون التوثيق من البداية بذكر المصدر أو المرجع ثم المؤلف / الكتاب، والجزء والصفحة، وبقية المعلومات تذكر في النهاية في قائمة المراجع.
وطريقة توثيق المقالات المنشورة في المجالات مثل السابق، لكن يزيد عليها رقم العدد(ع)، والمجلد ( مج)، واسم المجلة، والجامعة التابعة لها.
كانت هذه هو المصادر المعتمدة في الآونة الأخيرة إلى أن ظهر الإنترنت، وشبكات التواصل الاجتماعي، وغير ذلك من المستجدات والحوارات الصوتية والمرئية، والمقابلات، وكل هذا مادة علمية يمكن توثيقها والاعتماد عليها؛ لذلك فهي مصادر جديدة تخضع للنقد ابتداء من حيث قبول المعلومة أو رفضها ثم بعد ذلك توثيقها، وقد توثق بعيد عن ذلك بغض النظر عن الموافقة على الكلام الوارد فيها أم لا.
وهذا يكون بذكر عنوان الموضوع أو المقال، واسم الكاتب، والموقع المنشور فيه، وسنة النشر، ووقت دخول الباحث على الموقع، ورابط المادة المنشورة. وذكر التخصص إذا ذكر.
كذلك فإن من النقاط الهامة المتعلقة بالمصدر قضية تعدد الطبعات والمراحل الزمنية بينها، ورصد التغيرات التي طرأت عليه والخلاف بين تلك الطبعات، والتغيرات التي طرأت على الكاتب والمكتوب، فهذه نقطة مهمة في رصد التحول الحادث في المصدر أو التغيرات التي لحقت به.
ثم إن قائمة المصادر والمراجع لها فلسفة ودلالة في موضعها، فهي منهجية علمية مؤسسة على أبعاد دلالية يمكن من خلالها رصد العديد من القضايا، فهي تبدأ بذكر المصادر أولا، ثم يتبع ذكر المراجع العامة، ثم المجلات والدوريات ثم رسائل الماجستير والدكتوراه ثم المواقع الألكترونية، ثم المراجع الأجنبية، والبعض لا يلتزم بهذا الأمر فيجعلها كلها في تصنيف واحد، وكل ذلك وفق الترتيب الأبجدي.
ومنهم -وخاصة في العلوم الشرعية- من يجعل القرآن الكريم أولا.
ثم كتب السنة مرتبة منهجيا، بحيث تذكر الموطأت أولا ثم الصحاح، ثم السنن، ثم المسانيد، ثم المعاجم، ثم كتب الأطراف، ثم كتب المصنفات وهكذا.
وفي الفقه يذكر كتب كل مذهب بمفرده من خلال ذكر الأقدم فالأحدث أو مرتبة أبجديًا أو ةتاريخيًا.
وكتب التفسير منفردة، وكذلك كتب الأصول واللغة.
وهذه الترتيبات كلها اجتهادية ومحاولات ابداعية لا أكثر ولا أقل.
وهذا نموذج تطبيقي لقائمة من المصادر والمراجع في الأدب والنقد راعينا فيها بعض الضوابط التي أشرت إليها، وهي بمثابة منهجية تحمل عديدا من الدلالات التي يمكن استراجها من بين الكلمات.
نقل المعلومة وتوثيقها بين إحداث المعرفة وتكرارها .
يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع