كسر جدار الصمت (قصة قصيرة)
فرج مراجع فرج بن موسى | FARAG MURAJIA FARAG BIN MOUSA
15/01/2023 القراءات: 667
نَسَجت بعض أحداث الماضي سُطور قصَّتي، ولمست أهم مراكز الإحساس لدي، حيث تدور أحْداثها على شخْصية "عبد الرحيم"، حينما راجع بعض ذكريات الماضية، كسرتْ دُمُوعه جدار الصَّمْت، فأُرْغِم على البوح بأسْراره، التي ما فتئت تنمو ككذب أصحاب الإفك، بدأت أحداث قصتنا في قرية صغيرة في ضواحي مدينة بنغازي، عاش عبد الرحيم مع أُسْرتِه، في بيتٍ متواضعٍ جداً، وكان يعمل سائقاً للأُجْرة، ويسْعى لكسْب قُوته بالحلال، وعُرف بيْن جيرانه وأصْدقائه وأبناء عُمُومتِه بالأمانةِ والصدقِ وصلة الرَّحم، إلا أن التَّغيرات السِّياسية التي عصفت بدول الجوار ألت إليهم، فتمزَّق الوطن ونزح النَّاس بين الشَّرْق والغرب، وهاجر عبد الرَّحيم مع أسْرته إلى زليتن ثم إلى الخمس وبعدها إلى مصراتة، حالهُ كآلاف من أبناء الوطن، تغيرت الخارطة السكانية في البلاد، في ظل هذه الأوْضاع السِّياسية تغيرت قلوب بعْض النَّاس على حسب رغباتِهم، فظهر بعض الدَّنس على السَّطح، وبرز الرَّان من بعض القلوب المريضة، إذ أننا لم ننتبه لوجودها لأكثر من 30 عاماً ونيفٍ، يسْأل عبد الرحيم لما قطعت صلة الرَّحم بيننا، مع أنه رأى الحاجة زينب جاءت من بنغازي مع أسْرتها، لمدينة مصراتة ولم تتواصل معه، فقد كان طريح الفراش؛ بسبب جلطة أقْعدته لأكْثر من 6 أشهرٍ، فزاده ذلك الوجع ألماً في جسْمه، وغلب التَّفكير على وجدانه وفؤاده، وتطاير الشَّرر من عيْنيه، وارْتفع حاجِبَهُ الأيْمن وانْعقد الأيْسر، وما زاد الطين بِلَّة، وُصول ضياء لنفْس المدينة مع مجموعة من أبناء عمه، وهم جاءوا لزيارة قريبٍ لنا في منطقة كرزاز بمصراتة، تغيرت ملامح وجه عبد الرحيم، وكأن جبلاً على صدره، فقد ضاق المكان من حوله، وبكى بدون دموع، وتحدث من غير صوتٍ، واستدار عبد الرحيم في أحلك الظروف، يبحث من يألفه، فلم ير إلا رسائل سوشل ميديا، وهي ترسل الأخبار بقدوم وفدٍ من أبناء العم لزيارة عائلة موسى الذي تعرضوا لحادث سير، وتتأهب المجموعة ثانية لزيارة عبد الجواد، الذي أجرى عملية جراحية، فلم يستطيع عبد الرحيم أن يَعْمِس شجون نفسه، فقد تطايرت أحْزانه كالطُّيور بالأفق، ولم يحاول أن يخْفي عبْرته، ولم يبحث عن إجابات يدحض بها أي شك، لأنه يثق بنفسه كثيراً، ولكنه عقد مجلساً اسْتِشارياً لدراسة المشكلة، قالت ابنته فائزة يا أبي، لماذا يتعكر مِزاجك وتغضب لعدم زيارتك من أبناء عمومتنا !!!
عندها وقفت زوجة عبد الرحيم رقية واستطردت وهي تقول: يا ابنتي ما يزعجنا هو أننا لم نتأخر يوماً عن زيارتهم، وفي بعض الأوقات كنا نستأجر السيارة لأجل صلة الرحم، ولم نعتقد أن هذا يحدث لنا،،، وانْزعجْنا بسبب التفرقة الاجتماعية التي حدثت، عندها وقف ابن عبد الرحيم وهو أصغرهم سناً، وقال أريتم إن كانوا يأتون من 1000كيلو والبعض منهم يجنب زيارة أبي، ثم اشتاط غضباً ووقف بقوة فارتطمت رجله أعلى المنضدة حتى التواء كاحله، وقال بمرارة الألم، إذ كانت بعض العائلات من قبيلتنا قد وضعت أبي في مكان متدنيٍ، فأبي هو من أنجبنا، فنحن منا الأساتذة والدكاترة والأطباء، فلابد أن يحتجون لنا في يوم من الأيام، فقالت فائزة: يا إخوتي فلنضع صورة أبي وأمي باسميهما في قلوبنا وعقولنا وهواتفنا وفي سيارتنا وعلى جدراني مكاتبنا، وكما لا يفوتنا أن نضع لهما صدقة جارية في المنصة الإعلامية في السوشل ميديا، وأن نكرمهما بالأخلاق الطيبة في الدنيا، حتى تكون في ميزان حساناتهم يوم القيامة، وعلى التو والحين ارتعدت أوصال جسم عبد الرحيم، وتقدم برجله اليمنى، ورفع كلتا يديه وحاجبيه، وابتسم فتحركت شفتاه، ودمعت عيناه بطعام السَّعادة، واسْتاكت أسنانه وكأن الباب طُرق من بُعد 1000 كيلو، عندها ضمَّ فائزة وقال فأفْهمتني بنيَّتي وكلامها وصل الحشا.
وأخيراً يا أبناء عمومتي:
أفضل الثمار التي جنيتها أولادي، فهم الزاد في الدارين، وعتابي هذا من باب المعزة والمحبة في الله، ويعتبر الحرن مثل فصول السنة، يلتصق بالنفس ثم يرحل عنها، ولا يوجد علاج مثل الصبر والصلاة، لتهدأ الرُّوح وترجع إلى طبيعتها، ولا توجد حياة بدون أخطاء، فالناجحون عاشوا مع أخطائهم، وأخيراً الماضي دروس وعبر لبناء المستقبل... يوم السبت _ 14-1-2023....
جدار - الصمت - كسر .
يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع