مدونة الدكتور محمد محمود كالو


رمـضـان شـهر القرآن، ومدرسة: سباق، وأخلاق، وأرزاق (2)

الأستاذ الدكتور محمد محمود كالو | Prof. Dr. Mohamed KALOU


09/04/2022 القراءات: 553  


رمـضـان شـهر القرآن، ومدرسة: سباق، وأخلاق، وأرزاق (2)

والدعاء ببلوغ رمضان، والاستعداد له سنة عن النبي المصطفى صلى الله عليه وسلم؛ فقد روى الطبراني عن أنس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم: "أنه كان إذا دخل رجب قال: "اللّهمّ بارك لنا في رجبَ وشعبانَ وبلّغنا رمضان".
فإذا جاء رمضان دعوا الله تعالى: "اللهم بلغنا ليلة القدر"، فإذا جاءت ليلة القدر سألوا النبي صلى الله عليه وسلم إذا جاءت ليلة القدر ماذا نقول فيها، كما جاء عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها أنها قالت قلت: يا رسول الله أرأيت إن علمتُ أي ليلة ليلة القدر ما أقول فيها؟ قال قولي: "اللهم إنك عفو كريم تحب العفو فاعف عني" [قال الترمذي: حديث حسن صحيح].

اجتهد في الدعاء وخاصة عند الإفطار ، فقد قال صلى الله عليه وسلم : (إن للصائم عند فطره دعوة ما ترد ) [رواه ابن ماجه].

وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أفطر, قال: ( بسم الله اللهم لك صمت, وعلى رزقك أفطرت ذهب الظمأ, وابتلت العروق, وثبت الأجر إن شاء الله ) [رواه الطبراني والدارقطني].

كيف لا وهو شهر العفو! والعفو من الأعمال التي أجرها على الله، قال الله تعالى: ﴿ فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَح َفَأَجْرُهُ عَلَى الله ﴾ [الشورى:40] فلم يحدد الأجر والثواب.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "وإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث، ولا يصخب فإن سابه أحد، أو قاتله فليقل: إني امرؤ صائم" [رواه البخاري ومسلم].

وعندما دخل النبي صلى الله عليه وسلم مكة منتصرًا، جلس صلى الله عليه وسلم في المسجد، والمشركون ينظرون إليه، وقلوبهم مرتجفة خشية أن ينتقم منهم، أو يأخذ بالثأر قصاصًا عما صنعوا به وبأصحابه. فقال لهم النبي صلى الله عليه وسلم: (يا معشر قريش، ما تظنون أني فاعل بكم؟ قالوا: خيرًا، أخ كريم، وابن أخ كريم.. قال: اذهبوا فأنتم الطلقاء...) [سيرة ابن هشام].

وقال ابن رجب في كتابه "لطائف المعارف": "وعامة صيام الناس لا يجتمع في صومه التحفظ كما ينبغي". يقول هذا وهو ابن القرن الثامن الهجري، فكيف بزماننا!
وقَالَ سُلَيْمَانُ بْنُ مُوسَى: "إِذَا صُمْتَ فَلْيَصُمْ سَمْعُكَ وَبَصَرُكَ وَلِسَانُكَ عَنِ الْكَذِبِ، وَدَعْ عَنْكَ أَذَى الْخَادِمِ، وَلْيَكُنْ عَلَيْكَ سَكِينَةٌ وَوَقَارٌ، وَلا تَجْعَلْ يَوْمَ صَوْمِكَ وَيَوْمَ فِطْرِكَ سَوَاءً ".

وطلب أحد الصالحين من خادم له أن يحضر له الماء ليتوضأ، فجاء الخادم بماء، وكان الماء ساخنًا جدًّا، فوقع من يد الخادم على الرجل، فقال له الرجل وهو غاضب: أحرقْتَني، وأراد أن يعاقبه، فقال الخادم: يا مُعَلِّم الخير ومؤدب الناس، ارجع إلى ما قال الله تعالى، قال الرجل الصالح: وماذا قال تعالى؟! قال الخادم: لقد قال تعالى: ﴿ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ ﴾ قال الرجل: كظمتُ غيظي قال الخادم: ﴿ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ ﴾ قال الرجل: عفوتُ عنك، قال الخادم: ﴿ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ﴾ قال الرجل: أنت حر لوجه الله!

إن الصوم نصف الصبر، والصبر نصف الإيمان، والإيمان ما وقر في القلب وصدقه العمل، والصبر من الأعمال التي أجرها بلا حساب! قال الله تعالى:﴿ إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ ﴾ [الزمر: 10].

قال العلماء: يغرف لهم من الحسنات غرفاً.
والصائم يصبر على الجوع والعطش وحقه من زوجته في نهار رمضان، ويصبر على الطاعة فيصلي ويزكي ويقرأ القرآن ويصل الرحم، ويصبر عن المعصية فلا يرتكبها، والصيام نفسه من الأعمال التي أجرها على الله وحده.

فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "قال الله عز وجل: كل عمل ابن آدم له إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به" [رواه الشيخان] لم يحدد الأجر.

وعن أنس رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إذا وقف العباد للحساب ينادي منادٍ ليَقُمْ من أجره على الله؛ فليدخل الجنة، ثم نادى الثانية، ليقم من أجره على الله، قالوا: ومن ذا الذي أجره على الله؟ قال: العافون عن الناس، فقام كذا وكذا ألفاً، فدخلوا الجنة بغير حساب " [البيهقي في شعب الإِيمان].

فالصوم إذن عفو وصبر، مضمار سباق، وجامعة أخلاق، وفوق كل ذلك سعة في الأرزاق حيث قال النبي صلى الله عليه وسلم عن شهر رمضان: " وشهر يزداد فيه رزق المؤمن " [رواه ابن خزيمة في صحيحه].

أخي الصائم: إن الصائم في ديار المسلمين حالياً في حاجة ماسة لهذا السباق، وهذه الأخلاق، وخاصة بعد انتشار الظلم والقمع وازدياد الفقر والأذى، وأن يكون العفو في موضعه الصحيح؛ لا يجرح كرامة مظلوم؛ ولا يسوغ لظالم؛ ولا يمهد لطاغية؛ ولا يمرر لمستبد، وأن يكون الصبر صبر الاستعلاء لا صبر الاستسلام، صبر النهوض لا صبر القعود، صبر العمل والأمل لا صبر الخمول والكسل، فصوموا واصبروا واصفحوا وتسامحوا وتصالحوا؛ تجبروا وتصحُّوا وترزقوا وتُنصروا وتفلحوا.

اللهم تقبل منا الصيام والقيام وقراءة القرآن، وأدخلنا الجنة من باب الريان، وأعتق رقابنا من النيران، يا أرحم الراحمين.. آمين.


شهر رمضان، ليلة القدر، الدعاء، الإفطار، دعوة، لك صمت


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع