مدونة د حازم الشيخ الراوي


الخطاب الإلهي المباشر للمؤمنين الحلقة الرابعة عشر (العفو)

د حازم الشيخ الراوي | D.HAZIM AL SHEIKH ALRAWI


26/04/2022 القراءات: 765  



العفو هو واحد من الاخلاق الحميدة في ديننا الحنيف، ويعني التجاوز عن الإساءة والصفح عن مرتكبها ومسببها دون محاسبته ومعاقبته عليها، وهو يطفئ نار التشاحن والتباغض، حيث له تأثير انعكاسي ايجابي فاعل على تنظيم العلاقات الطيبة بين الناس، فيفضي الى راحة البال وهدوء الحال. فالإنسان يتعرض في حياته الى العديد من المواقف والصعاب والمشاكل التي قد تثير أعصابه، مما يدفعه الى اتخاذ موقف انفعالي سلبي تجاه من أساء اليه سواء من الاصدقاء أو المعارف أو حتى الأقارب. وقد تزداد الحدة بينهما، وتتفاقم المشكلة، لتسبب القطيعة والبغضاء والكراهية، بل حتى قد يصل الحال الى الاقتتال. وهذا الأمر ان ساد في المجتمع، فانه قطعا سيسبب تصدعات خطيرة في التماسك الاجتماعي. ولذا فان التحلي بثقافة العفو والتسامح التي أمرنا الله بها تمثل العلاج الأنجع، والحل المثالي، والضمان الأكيد لضبط العلاقات الانسانية السديدة والنهوض بالمجتمع بعيدا عن المشاكل التي تعيق حركة تطوره. وقد ورد العفو في الخطاب الالهي المباشر بالآية 14 من سورة التغابن بقوله تعالى (وان تعفوا وتصفحوا وتغفروا فان الله غفور رحيم).
والعفو خلق عظيم أمر الله تعالى به نبيه الأكرم محمد صلى الله عليه وسلم ليتبناه هو وجميع المؤمنين بقوله تعالى في الآية 159 من سورة آل عمران (فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ).
والعفو والتسامح يحقق غرس المحبة والوئام بين الناس ونبذ ثقافة الحقد والكراهية، ولا يتحقق العفو الا بالصبر وكظم الغيظ واحتساب الأجر عند الله، فالذي يعفو انما يكسب رضا الله تعالى وعفوه وغفرانه توافقا مع قوله تعالى في الآية 149 من سورة النساء (إِنْ تُبْدُوا خَيْرًا أَوْ تُخْفُوهُ أَوْ تَعْفُوا عَنْ سُوءٍ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ عَفُوًّا قَدِيرًا). فتغليب العفو والتسامح على العقاب ينجّي الأفراد من المنازعات الحادة التي قد تنشأ بينهم. وبذلك تستقيم الحياة ويسود الحب والود والرحمة بين الناس، وينعم الأفراد بالخير والحب وانشراح الصدر، وتحل كافة المشاكل التي يمكن أن تعتري مسيرة الحياة. وكما جاء في قول الله سبحانه في الآية 34 من سورة فصلت (ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ).
وأجمل أنواع العفو هو العفو عند المقدرة، والمقصود به أن يعفو الإنسان عن المسيء له وهو قادر عليه ومتمكّن من الاقتصاص منه وعقابه. ولعل أفضل وأعظم مثال للعفو عند المقدرة تمثل بعفو الرسول الأكرم صلى الله عليه وسلم عن كفار قريش حينما دخل مكة فاتحاً ومنتصراً وقادراً ومتمكناً، حيث قال لهم وهم بين يديه صاغرين: اذهبوا فأنتم الطلقاء. فسامحهم ومنحهم الحرية الكاملة، ولم يهنهم أو يستولي على أموالهم أو يسبي نساءهم، ولم يعذب أو يعاقب أو يقتل أحد منهم.


المؤمنون .. العقيدة ..


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع