بذل ابن عبد البر جهدًا كبيرًا في التعليق على أحاديث الموطأ بما يثبت صحتها، وأسند مراسيل الموطأ، وأحاديثه المنقطعة، وبلاغات مالك، حتى أظهر قيمة الموطأ من حيث الصحة والثبوت. كما شرح أحاديث الموطأ شرحًا موسعًا أبان به عن مقدرة عالية لا يتوفر عليها إلا عالم متبحر في الحديث وعلومه؛ فهو عالم الأندلس وحافظ المغرب، ألّف من أجل خدمة الموطأ كتابين جليلين، هما: "التمهيد" و"الاستذكار"، تعرض في الأول للأحاديث النبوية ببيان صحتها والتعليق على أسانيدها ومتونها، ووصل ما لم يتصل منها، وتزكيتها بروايات حديثية ساقها بأسانيده، وهو ما جعله حافلًا بالأحاديث النبوية، وشرح أحاديث الموطأ المرفوعة باستنباط المعاني والآداب، وبيان مسائل الإجماع والخلاف، مع مناقشة الفقهاء فيما ذهبوا إليه، وتأصيل كل ذلك، وترجيح ما يراه صوابًا، ورتّبه حسب شيوخ الإمام مالك في الموطأ، وهو ما جعله يختلف في ترتيبه عن الموطأ، ودعا بعض المعاصرين إلى إعادة ترتيب التمهيد حسب أبواب الموطأ لتسهيل تناوله على القراء، بينما تولى في الكتاب الثاني شرح الموطأ كاملًا حسب ترتيب الموطأ الأصلي بما في ذلك آثار الصحابة والتابعين، وهو ما أعطى أهمية خاصة للاستذكار، مع اختصار القول فيما سبق أن تعرّض له في التمهيد من قضايا في مختلف علوم الحديث وفقهه، والاكتفاء بالإحالة عليه، وإضافة بعض القواعد والنصوص المهمة. هذا كله جعل شرحيه مرجعين أساسيين في قضايا علمية ومنهجية كثيرة
عبد العزيز العسراوي | Abdelaziz Asraoui | 832