لاشك أن منطقة القرن الإفريقي من مناطق الصراع الخفي حيناً والمحتدم العلني حيناً آخر ؛ فدول هذه المنطقة ، وعلى رأسها أثيوبيا والصومال وجيبوتي وإرتريا ، تعد من الدول المستهدفة من قبل القوى الكبرى في العالم ، وقد زاد اهتمام العالم بدول بهذه المنطقة بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر ، والتي فجرت العديد من التحالفات الدولية حول ما عرف بعد ذلك باسم " الحرب على الإرهاب " ، ثم جاءت القرصنة على السواحل الصومالية لتهدد مصالح المستعمر الغربي القديم لدول المنطقة ، ومن ثم زاد الاهتمام أكثر وأكثر بإيجاد حلفاء بمنطقة القرن الإفريقي يمكن من خلالهم تأمين المصالح العالمية وتأمين السفن المارة في الممرات المائية الاستراتيجية كالبحر الأحمر وخليج عدن وغيرهما من الممرات ؛ بالإضافة لأهداف خفية أخرى ، لذا جاءت " جمهورية جيبوتي " على رأس قائمة الاهتمامات بالنسبة للقوى الكبرى ؛ لما يمثله موقعها الجيوسياسي من أبعاد استراتيجية وأمنية تخدم أهداف الغرب في حماية أطماعه وحركة ملاحته في هذه المنطقة ، ومن ثم أصبحت هذه الدولة في الآونة الأخيرة ، ومنذ فترة كبيرة مضت ، هي الدولة الأكثر استضافة وترحيباً بتأسيس القواعد العسكرية الغربية على أرضها ، وعلى رأس هذه القواعد ، القاعدة الأمريكية ، ثم الفرنسية والألمانية والأسبانية واليابانية ، وحديثاً يوجد كلام عن قاعدة أخرى جديدة للمارد الصيني . وبالإضافة لكل ما سبق ، لدينا في جيبوتي نظام سياسي مهيمن على السلطة ، طامح إليها ، وطامع فيها ، هو نظام الرئيس الحالي إسماعيل عمر جيله ، الرئيس ذي الخلفية العسكرية والمخابراتية ، والذي تم انتخابه مؤخراً لولاية رابعة على التوالي في جيبوتي ، على مرأى ومسمع من قوى المعارضة الجيبوتية ، والتي اتهمته بتزوير الانتخابات ، وبالكذب والتدليس على الشعب ، بعد أن أعلن مراراً وتكراراً في قنوات إعلامية محلية وعالمية ، أنه لن يترشح مجدداً ، والحقيقة أنه قام بتعديل الدستور عام 2010 ليهيء لنفسه أمداً طويلاً في حكم البلاد . إذن فنحن أمام دولة تحمل من الملامح السياسية والاستراتيجية والأمنية ، ما يدفع إلى الاهتمام بدراستها ، وتتبع تطورات الأحوال فيها ، خاصة وأنها حالياً محل صراع واهتمام من قبل القوى الكبرى ، لتحقيق أكبر قدر من السيطرة والهيمنة ــ عبر أراضيها ــ على القارة السمراء ، ومن ثم فهذه الدراسة تحاول رصد أهم التطورات السياسية والأمنية والاقتصادية في جيبوتي ، بالإضافة لاستنتاج مؤشرات مستقبلية ، توضح احتمالات ومآلات الأوضاع فيها
محسن حسن عبد الحميد | Mohsen Hassan Abdulhameed Abdullah | 1132