العدد الخامس مقالات

السياسة الشرعية للإمام الحسن بن علي / مقالات

11/11/2020

د. بشار قدوري

أول ما ينظر القاريء لسيرة الإمام الحسن بن علي هو  ( التكتيك السياسي) حيث جاء في إظهار القوة أولا للخصم ثم اظهار الصلح، حيث أظهر الإمام الحسن قوته بإعداد جيش إلى الشام لكنه كان يرمي وينظر إلى الصلح حيث كان ميل الإمام الحسن إلى الصلح ظاهراً منذ يوم بيعته، إذ كان يقول: (تبايعون لي على السمع والطاعة، وتحاربون من حاربت، وتسالمون من سالمت).  وقيل إن أوّل من بايعه قيس بن سعد بن عبادة الأنصاري، وكان قيس في حياة الخليفة الإمام علي رضي الله عنه، يقود أربعين ألفاً من المقاتلين، وكان ذلك من علامات إرادته للصلح.

 

 الوحدة الوطنية الاسلامية 

نظرة الإمام الحسن في توحيد البلاد والعباد من خلال التنازل حيث استثمر وفد معاوية الذي أرسله،  فقد جاء في صحيح البخاري أن معاوية (والي الشام آنذاك) هو الذي بدأ بطلب الصلح عندما رأى كتائب الحسن، وقال: (إن قتل هؤلاء هؤلاء، وهؤلاء هؤلاء، من لي بأمور الناس، من لي بنسائهم، من لي بضيعتهم، وبعث معاوية إلى الحسن رجلين من قريش هما عبد الرحمن بن سمرة وعبد الله بن عامر بن كريز يفاوضانه على الصلح). وتحقق الصلح بالفعل، وتنازل الحسن بالخلافة لمعاوية سنة 40 هجرية، وسمي ذلك العام عام الجماعة، إذ توحدت راية المسلمين بعد طول قتال وخلاف .

 

 العفو عند المقدره 

لما نظر الحسن إلى كثرة ما معه من الجند رغب في حقن دماء المسلمين، وبما عند الله تعإلى فبادر إلى طلب الصلح، وقد جاء وصف قوة جيش الحسن رضي الله عنه في صحيح البخاري عن الحسن البصري قال: (استقبل والله الحسن بن علي معاوية بكتائب أمثال الجبال) ، وهذا يدحض مزاعم الذين قالوا أن الحسن كان ضعيفاً ومكرهاً على الصلح.

 

مسك العصا من المنتصف 

 كان الإمام الحسن ذا حنكة سياسية وحيلة شرعية فبعد التنازل أراد أن تكون هناك نقطة عودة ليضمن عدم فسق من بعده في الخلافة، ونستنبط ذلك في نهاية خطبه قالها أمام معاوية بعد دخول الأخير إلى الكوفة، ونقل ابن كثير عن محمد بن سيرين قوله: (لما دخل معاوية الكوفة وبايعه الحسن بن علي قال أصحاب معاوية لمعاوية: مر الحسن بن علي أن يخطب، فإنه حديث السن عيي، فلعله يتلعثم فيتضع في قلوب الناس. فأمره، فقام، فاختطب فقال في خطبته: أيها الناس لو اتبعتم بين جابلق وجابرس رجلا جده نبي غيري وغير أخي لم تجدوه، وإنا قد أعطينا بيعتنا معاوية ورأينا أن حقن دماء المسلمين خير من إهراقها، والله ما أدري لعله فتنة لكم ومتاع إلى حين - وأشار إلى معاوية- فغضب من ذلك وقال: ما أردت من هذه؟ قال: أردت منها ما أراد الله منها. فصعد معاوية وخطب بعده. وقد رواه غير واحد وقدمنا أن معاوية عتب على أصحابه).

تجد في نهاية الخطبة الإشارة إلى معاوية وتعليله بالظن، والاحتمالية بأن تكون بيعه معاوية وحكمه، فتنة لأهل الكوفة ومن ورائها جميع المسلمين، وهي تطبيق واقعي لمسك العصى من المنتصف؛ فكأنها تحذير لمعاوية بأنه إذا لم تحكم بما أنزل الله وتكون عادلاً بين الفريقين ومن ورائهم المسلمين جميعا فإنني سأنتزع منك البيعة، ونلغي الصلح، وترجع الأمور إلى نصابها القديم وتدار فتنه الرحى، والله أعلم .  

إن ما أقدم عليه الحسن، رضي الله عنه، من تنازل للخلافة ابتغاء الإصلاح وحقن الدماء يدل على سمو أخلاقه، ورحمة بالمؤمنين، قلّما توجد في شخص، لكنها نبوءة النبي صلى الله عليه وسلم الذي بشّر بأن ابنه الحسن يصلح الله على يديه بين طائفتين من المسلمين، وكان ذلك بالفعل. 

 ويمكن الملفت أن نلاحظ هنا، أنَّ الجزاء من جنس العمل، فعمل تنازل الإمام الحسن بن علي كان جزاؤه أن تكون خلافة آخر الزمان من نسل الإمام الحسن بن علي، قال الإمام ابن القيم الجوزية بعد إسراده لحديث فيه أن الإمام المهدي الذي يخرج في آخر الأمة هو من نسل الحسن: ( و في كونه من ولد الحسن سرٌّ لطيف، و هو أن الحسن ترك الخلافة لله، فجعل الله من ولده من يقوم بالخلافة الحق المتضمن للعدل الذي يملأ الأرض. و هذه سُنَّة الله في عباده، أنه من ترك لأجله شيئاً، أعطاه الله أو أعطى ذريته أفضل منه). و الله أعلم  .

العدد الخامس الحسن بن علي ، التكتيك السياسي ، الوحدة الوطنية الاسلامية ، العفو عند المقدره ،

مواضيع ذات صلة