العدد الخامس تأملات إعلامية

الإعجاز القرآني في تصميم الإعلان / تأملات إعلامية

11/11/2020

د. طه احمد الزيدي

الإعلان نشاط اتصالي يستخدم لغرض استقطاب اكبر عدد ممكن من الجمهور لتبني مفهوم أو الترويج لفكرة أو خدمة، مع وجود البعد المادي، ويمر الإعلان بمراحل مختلفة، وهي جذب الانتباه وإثارة الاهتمام وخلق الرغبة وإقناع الفرد ثم حثه على الاستجابة.

ويتجلى لنا توظيف القرآن الكريم لهذه المعاني وزيادة، في أكثر من مشهد من مشاهد التصوير الفني، وسنقتصر على مشهد يدل على الإعجاز الإعلامي في الإعلان، قال تعالى: (فَلَمَّا جَهَّزَهُمْ بِجَهَازِهِمْ جَعَلَ السِّقَايَةَ فِي رَحْلِ أَخِيهِ ثُمَّ أَذَّنَ مُؤَذِّنٌ أَيَّتُهَا الْعِيرُ إِنَّكُمْ لَسَارِقُونَ* قَالُوا وَأَقْبَلُوا عَلَيْهِمْ مَاذَا تَفْقِدُونَ* قَالُوا نَفْقِدُ صُوَاعَ الْمَلِكِ وَلِمَنْ جَاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ* قَالُوا تَاللَّهِ لَقَدْ عَلِمْتُمْ مَا جِئْنَا لِنُفْسِدَ فِي الْأَرْضِ وَمَا كُنَّا سَارِقِينَ* قَالُوا فَمَا جَزَاؤُهُ إِنْ كُنْتُمْ كَاذِبِينَ* قَالُوا جَزَاؤُهُ مَنْ وُجِدَ فِي رَحْلِهِ فَهُوَ جَزَاؤُهُ كَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ) (يوسف: 70- 75). 

جذب الانتباه والاهتمام: من خلال: النداء وتشخيص الجهة المستهدفة (وهي القافلة (أيتها العير)، والإعلان عن مكافأة خاصة (حمل بعير)، واظهار عظيم مكانة الطرف المعلن وان له القدرة على انفاذ ما جاء في الإعلان ، فالمتكفل بالجعل هو عزيز مصر نبي الله يوسف عليه السلام ، وتم الإعلان من قبله.

خلق الرغبة: ويتجلى في أنّ ما تم الإعلان عنه يمثل احدى اشباعات وحاجيات من يوجه اليه الإعلان ، (حمل بعير) في زمن القحط والشدة، وهو اشد ما يحتاجه اهل القرى آنذاك.

محاولة الاقناع: والحث على العمل عن طريق: امكانية فعل المقابل: وهو أن يأتي  بالسارق، والاغراء والترغيب: بيان قدرة المعلن على انفاذ ما جاء في الإعلان: فالمتكفل بالجعل هو عزيز مصر نبي الله يوسف عليه السلام: (وَلِمَنْ جَاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ)، واليوم نجد المعلنين يوظفون في الإعلان ويظهرون مدراء الشركات المعلنة، او الشخصيات الجماهيرية التي يثق بها الناس أو يتأثرون بها. 

الاعلان التفاعلي: فقد سبق القرآن إلى تصميم الإعلان التفاعلي، الذي يتيح للجمهور المستهدف ان يشارك في الإعلان، زيادة في الاقناع، ودفعا للاستجابة الايجابية، قال تعالى: (ثُمَّ أَذَّنَ مُؤَذِّنٌ أَيَّتُهَا الْعِيرُ إِنَّكُمْ لَسَارِقُونَ* قَالُوا وَأَقْبَلُوا عَلَيْهِمْ مَاذَا تَفْقِدُونَ* قَالُوا نَفْقِدُ صُوَاعَ الْمَلِكِ)، أجابوهم بعبارتهم لشدهم الى الإعلان والاهتمام به وتأليفهم، ثم دخلوا في تفاصيل الإعلان وجزئياته زيادة في التفاعل ودلالة على التجاوب مع الجهة المعلنة: (قَالُوا فَمَا جَزَاؤُهُ إِنْ كُنْتُمْ كَاذِبِينَ* قَالُوا جَزَاؤُهُ مَنْ وُجِدَ فِي رَحْلِهِ فَهُوَ جَزَاؤُهُ كَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ)، واليوم أصبح الإعلان ليس عرضا جامدا وإنما عبارة عن حكاية وحبكة درامية فيها من المؤثرات الصوتية والبصرية ما تشد المتلقي، ولكنها في وسائل الاتصال لم تبلغ مستوى التفاعل المباشر إلا في الإعلانات التي تعتمد الاتصال الشخصي أو الجمعي في الاسواق أو مواقع التواصل الاجتماعي.

مراعاة الأعراف والمفاهيم لدى المتلقي: وفيها فائدة جديدة لمصممي الاعلان: ومنها مراعاة استخدام المصطلحات التي تناسب فهوم الجمهور المستهدف في الإعلان، فقد استخدم عبارة مألوفة للمقصود بالإعلان، قال تعالى وهو يصف فعل أهل مصر: (فَلَمَّا جَهَّزَهُمْ بِجَهَازِهِمْ جَعَلَ السِّقَايَةَ فِي رَحْلِ أَخِيهِ)، وفي الإعلان: (قَالُوا وَأَقْبَلُوا عَلَيْهِمْ مَاذَا تَفْقِدُونَ* قَالُوا نَفْقِدُ صُوَاعَ الْمَلِكِ)، فلم يقل السقاية أو سقاية الملك، لان المعروف لدى البدو هو الصواع وليس السقاية، وأضافه إلى الملك تضخيما لزيادة الشد للإعلان والاهتمام به، فجاء الإعلان بعبارة مألوفة عند المستهدف وليس بالضرورة عند المعلن، مثيرة لاهتمامه، ولذا نجد مصممي الإعلانات في زمننا يستخدمون عبارات متجانسة متداولة في الوسط الذي يوجه اليه الإعلان، فقد تكون شعبية وعامية في الوسط الشعبي، وعلمية في وسط النخبة، كما تنبه مصممو الإعلان المعاصر إلى مراعاة بيئة الجمهور المستهدف، فالإعلان عن بضاعة ما في دول اوربية، يختلف في تصميمه (لغة وأشخاصا وكيفية ومؤثرات) عن الإعلان عن البضاعة نفسها في دول عربية.

وبذلك يتبين لنا أن القرآن سبق إلى مراعاة مقومات تصميم الاعلان التفاعلي المؤثر، وإلى توظيف الأعراف والقيم لدى الجمهور المستهدف في الإعلان، وجاء ذلك كله لأجل تحقيق الغرض منه، في استقطاب الجمهور للمشاركة الفاعلة في مخرجات الاعلان. 

العدد الخامس الإعجاز القرآني ، الاعلان ، جذب الانتباه ،

مواضيع ذات صلة