العدد السادس قراءة في كتاب

صناعةُ الهوية العلمية للعلماء والخبراء والباحثين / قراءة في كتاب

12/02/2021

د.سيف السويدي ، أ.طارق برغاني

 

علم الاجتماع

إن فهم مظاهر التجمعات البشرية والعلاقات الإنسانية وتفاعلاتها ودراستها، وترابطاتها وأسس تشكلها والعوامل المتحكمة في تطورها وتدهورها والمساعدة في تقويتها أو إضعافها تعد من أبرز اهتمامات علم الاجتماع، وبحكم أن الشخص يعيش فردا ضمن مجتمع، وعنصراً منه ووحدة تشكل نسيجه سواء داخل الأسرة أو الدراسة أو العمل أو المجتمع بشكل عام، فإنه لا يمكن له بناء علامة (ماركة) شخصية دون الأخذ بعين الاعتبار انتماءه إلى هذا المجتمع وفهم قيمه وعاداته وثقافته وحضارته وتاريخه وطريقة عيشه ولغته، ورؤيته للأمور وكيفية إقناعه والتأثير فيه؛ لأنه يسعى إلى رسم صورة خاصة له في ذهن هذا المجتمع والحصول على مكانة متميزة فيه.

والهُويَّة بوصفها مصطلحًا تحمل معانيَ متعددة، مثل: الانتماء، والارتباط، والمرجعية، والتعريف؛ فإن جميع هذه الدلالات تجد لها ارتباطا في سياقات مختلفة من علم الاجتماع من قبيل الانتماء القبلي، والارتباط الأسري، والمرجعية الدينية، والهوية الوطنية، ومعلومات التعريف الشخصية... "ويشير مفهوم الهُويَّة إلى ما يكون به الشيء "هو هو"، أي من حيث تشخّصه وتحقّقه في ذاته، وتمييزه عن غيره؛ فهو وعاء الضّمير الجمعي لأيّ تكتّل بشريّ، ومحتوى لهذا الضمير في الوقت نفسه، بما يشمله من قيم وعاداتٍ ومقوّمات تكيّف وعي الجماعة وإرادتها في الوجود والحياة داخل نطاق الحفاظ على كيانها..." .

العلاقات العامة والخاصة

يُعدُّ فهم آليات تشكل العلاقات بين الأفراد وآثارها في الفرد والمُجتمع مُدخلا مهما لبناء شبكة علاقات قوية وتوسيعها ما أمكن وهذا مطلب ملح على الباحث عن ماركة شخصية التنبه إليه، إن نسج ترابطات اجتماعية وكسب معارف والحصول على مكانة متميزة داخل المجتمع لا يتأتى إلا بالرجوع إلى ما يزودنا به علم الاجتماع من مفاهيم ونظريات وأفكار في هذا المجال، يرى راد كليف براون "أن البناء يتألف من كائنات إنسانية وأن كلمة " بناء " تشير بالضرورة إلى وجود نوع من التنسيق والترتيب بين (الأجزاء) التي تدخل في تكوين (الكل) الذي نسميه ( بناء) وكذلك يوجد روابط معينة تقوم بين هذه (الأجزاء) التي تؤلف (الكل)  وتجعل منه بناء متماسك متمايز. وبمقتضى هذا الفهم تكون (الوحدات الجزئية) الداخلة في تكوين (البناء الاجتماعي) هي (الأشخاص) أي أعضاء المجتمع الذي يحتل كل منهم مركزاً معيناً ويؤدي دوراً محدداً في الحياة الاجتماعية" .

الإشهار والدعاية

شخصية الفرد هي على غرار المنتوجات والخدمات الموجهة إلى فئة من المستهلكين، لابد لها من استخدام وسائل الدعاية والإشهار واعتماد أساليب الخطاب والاقناع المعمول بها في الترويج والتعزيز، وهنا يتكامل علم الاجتماع وعلم النفس في إنجاح هذه العملية وجعلها أكثر فاعلية وتأثيرا بهدف خلق نوع من الألفة والرابطة العاطفية بين المنتج أو الخدمة أو (الشخصية) وبين الجمهور وتمرير رسائل طمأنة وثقة حول ميزاتها وخصائصها وجودتها.

وقد تكون عملية الإشهار، أحياناً، مبالغا فيها وتحتوي على قدر كبير من التضخيم وتعطيها قيمة أكبر من حجمها الحقيقي، " شركة نستله  Nestlé عندما رغبت في دخول السوق الياباني لم تقم مباشرة بطرح منتج كيت كات Kit  Katفي السوق، وعمل الدعاية العادية، والحملات الإعلانية والتلفزيونية؛ لأن الشعب الياباني كثير التشكك في الدعاية والإعلانات ولا يثق فيها، فبدأت الشركة بدراسة السوق الياباني وثقافة ولغة وعادات الشعب الياباني، واتبعت خطة محكمة لمدة أربع سنوات قامت فيها الشركة بتوزيع شوكولاتة كيت كات مجانا في الفنادق وعلى الطلاب المقبلين على اجتياز اختبارات الولوج إلى الجامعات في طوكيو، والترويج إلى فكرة أن هذه الشكولاتة بقالبها الأحمر المتميز تجلب الحظ السعيد، ثم بدأت بعض الإعلانات التجارية الصريحة في الظهور، واتخذت شكلاً غير اعتيادي؛ مثل قصص قصيرة  لطيفة خيالية ومخترعة  ولكن كان الغرض منها هو زرع وتثبيت في وعي الأمهات اليابانية أن تلك الشكولاتة هي بالفعل جالبة للحظ، فبدأ أناس حقيقيون في الظهور في إعلانات كيت كات، التي لم تعرض أبداً شكل المنتج النهائي (قوالب الشكولاتة)، بل مجرد العلامة التجارية، فشرع فريق التسويق في طرح الشوكولاتة بنكهات عدة مثل الشاي الأخضر و الليمون و التفاح و كانت تتوافر لمدة محدودة ثم تختفي لإفساح المجال لنكهات أخرى و غير تقليدية" .

والإشهار عملية تهدف بالأساس إلى التسويق الدعائي للمنتج والوصول إلى ذهن المستهلك والتأثير على عواطفه ومخاطبة غرائزه وتهييج حواسه واستثارة الرغبة الشرائية لديه، أغلب هذه المبادئ والأهداف يستعين بها صاحب الماركة الشخصية بشكل أو بآخر في التسويق لذاته، وتعزيز مكانتها وإبراز ميزاتها وإظهار جودة مؤهلاتها.

المجتمع الاستهلاكي

أسهمت عدة عوامل في تنامي الطابع الاستهلاكي في المجتمعات من بينها العولمة، وانفتاح السوق، المنافسة في الإنتاج، وارتفاع وتيرة التصنيع، وانتشار وسائل الإعلام، وتطور تقنيات الدعاية والإشهار واتساع نطاق استخدام التكنولوجيا الحديثة، وهيمنة العلامات التجارية التي صارت تعبر عن هوية الشركة وتحمل شعارها الذي يعبر عن ماركتها على الصعيد الدولي.

وهو رمز جرافيكي أو خطي أو هما معا مشكل من ألوان وأشكال معينة وقد يكون صوتا أو رائحة يحمل دلالات خاصة تعكس رؤية الشركة وتعبر عن أهدافها وخدماتها، "...تشمل عملية بناء الهوية الوسائل البصرية والعاطفية والمنطقية والثقافية للخروج بصورة ذهنية وانطباع إيجابي أمام العميل يعكس شخصية المنظمة ورؤيتها وأهدافها ويحقق أرباحاً أكثر على المدى الطويل..." .

أما من جهة المستهلك أو المستخدم فإن الشعار يصبح بمثابة تصور ذهني ضمني لصيق بالمنتج أو الخدمة يحمل معاني كثيرة بمجرد رؤيته أو سماع صوته أو شم رائحته يستحضر الزبون من خلاله بشكل تلقائي عدة معلومات متعلقة بذلك المنتج أو الخدمة، " الماركة التجارية على حد قول "ولتر لاندور" هي وعد، إنها وعد بما تتوقع أن تجده عندما تشتريها وتستعملها وتقوم بتجربتها، وهذا الوعد يمكن تلخيصه بعبارة بسيطة أو حتى كلمة واحدة، ماذا يطرأ في ذهنك عندما تفكر في سيارة فولفو؟ الأمان، وماذا عن سيارة (بي أم دابليو)؟ النموذج المثالي للسيارات، وسيارة رولزرويس؟ الرفاهية..." .

ومن بين المعلومات التي قد يستحضرها المستهلك حول المنتج:

جودته: السيارات الألمانية، الساعات السويسرية، الملابس الإيطالية...

رائحته أو طعمه: العطور الفرنسية، البيتزا الإيطالية، السوشي الياباني، البهارات الهندية، البرغر الأمريكي...

شركته: ويندوز من مايكروسوفت، ماكنتوش من آبل، أندرويد من جوجل...

 دولته: الفودكا الروسية، الهواتف الذكية الكورية الجنوبية، كاميرات التصوير اليابانية، ...

أصنافه: نفس الماركة تحيل إلى عدة منتجات أو عدة خدمات مثل: نايك في الأحذية أو الألبسة أو الحقائب الرياضية...

-مجال تخصصه: شبكة البي بي سي للإعلام، شركة أورنج للاتصالات، بريتش ايرويز للطيران...

 -سعره: ويتعلق بالجودة وبالقدرة الشرائية وتكلفة الإنتاج... مثل الفرق بين المنتجات الصينية الموجهة لبلدان العالم الثالث والموجهة إلى الدول المتقدمة.

إن توظيف الماركة التجارية في التأثير في المستهلك له أثر كبير في تشكيل تصور إيجابي حول المنتج أو الخدمة وإكسابه سمعة وثقة وتكوين اتجاه عاطفي نحوه، وبالتالي يمكن الاستفادة من كل هذه الوظائف في بناء الماركة الشخصية للأفراد، "...إن الماركة التجارية توثر على المستهلك النهائي في قرار شراءه كما أن المستهلكون يفضلون شراء الماركات المشهورة نظرا لأن الماركة تعد بمثابة كفالة وضمان على السلعة، إن الماركة التجارية تزيد من ثقة المستهلك بالسلعة التي ينوي شراءها."

لذا يوصي الباحثون بتوصيات من بينها: دراسة خصائص المستهلكين وإرفاقها مع خصائص المنتوج الجديد؛ لأن التوافق بين ما يريده المستهلك وما يرفق بالماركة التجارية من منتوجات جديدة يؤدي إلى تحسين صورة الماركة التجارية الجديدة في ذهن المستهلك، وبالتالي زيادة شهرة الماركة التجارية، دون إغفال الاعتماد على وسائل زيادة الولاء للماركة التجارية من طرف المستهلك، هذه الأدوات تتمثل في مختلف مكونات المزيج الاتصالي، واستعمال التقنية الاكثر تأثيرا في سلوك المستهلك..." .

 

 

العدد السادس علم الاجتماع ، العلاقات العامة ، الإشهار والدعاية ،

مواضيع ذات صلة