العدد السابع تأملات إعلامية

حماية المعلومات وحفظها من الاعتداء والتشويش / تأملات إعلامية

17/02/2021

د. طه أحمد الزيدي

لقد تكفل الله تعالى بحفظ رسالته، وصون كتابه الذي أنزله على هذه الأمة، من كل اعتداء يريد أصحابه التشويه أو التحريف في آياته لصرف الناس عن الحق الذي جاء به، بقطع الاتصال كليا أو جزئيا لمنع المتلقي عن استقبال الرسالة، أو بالعمل على التغيير في معنى الرسالة أو قد يكون بسبب عدم فهمها من قبل المتلقي فهما صحيحا، وتكون النتيجة أن يفقد الاتصال فعاليته، ولا يحقق أهدافه، قال تعالى: (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ) (سورة الحجر: 9).

 وعلى ضوء ذلك فالتشويش الذي سبق القرآن الكريم الى معالجته نوعان:

أحدهما: يتعلق بواسطة نقل الرسالة، من خلال التأثير في سير نقلها، من شياطين الإنس والجن، (وَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ جَعَلْنَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ حِجَابًا مَسْتُورًا (45) وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْرًا وَإِذَا ذَكَرْتَ رَبَّكَ فِي الْقُرْآنِ وَحْدَهُ وَلَّوْا عَلَى أَدْبَارِهِمْ نُفُورًا (46) نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَسْتَمِعُونَ بِهِ إِذْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ وَإِذْ هُمْ نَجْوَى إِذْ يَقُولُ الظَّالِمُونَ إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلًا مَسْحُورًا (47)).(سورة الإسراء)، (وَأَنَّا لَمَسْنَا السَّمَاءَ فَوَجَدْنَاهَا مُلِئَتْ حَرَسًا شَدِيدًا وَشُهُبًا (8) وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْهَا مَقَاعِدَ لِلسَّمْعِ فَمَنْ يَسْتَمِعِ الْآنَ يَجِدْ لَهُ شِهَابًا رَصَدًا (9))  (سورة الجن)، وتمثل هذه الآيات سبقا في تقنية التشفير الذي تتبعه بعض القنوات الفضائية، والمواقع الالكترونية في حماية موجاتها من الاختراق، فهو صورة معاصرة للحجاب الذي أشارت اليه الآيات القرآنية في حفظ رسالة القرآن.

ونزع صفة القدسية والبعد السماوي عن الكتب التي أنزلها على عباده المرسلين بسبب التحريف الذي أصابها، وهو بذلك يضع قاعدة إعلامية: أن الرسالة المحرفة لا قيمة لها، والاستجابة لها سلبية وإن ظن أصحابها أنها ايجابية بسبب تقبلها من بعض المتلقين، قال الله تعالى: (وَإِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقًا يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُمْ بِالْكِتَابِ لِتَحْسَبُوهُ مِنَ الْكِتَابِ وَمَا هُوَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَقُولُونَ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَمَا هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ) (سورة آل عمران: ٧٨)، (فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ وَلَا تَزَالُ تَطَّلِعُ عَلَى خَائِنَةٍ مِنْهُمْ إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) (سورة المائدة: ١٣).

وفي عصرنا الحديث نجد كثيراً من الشخصيات والمؤسسات تعلن تكذيبها لمواقع تنتحل اسمها وبيانات تزور باسمها، وتحذر من تصديقها، فضلا عن حرصها في اقامة دعاوى قضائية بحقها، لما تسببه من اساءة اليها، وتحريفا لرسالتها.

والثاني: التشويش بالمعنى، وهو تشويش قد يكون داخلياً سببه عدم قدرة المتلقي على تفسير الرسالة تفسيراً صحيحاً، وقد يفهمها فهماً خاطئاً، وقد يكون خارجياً موجهاً من أشخاص بتأويل نصوص الرسالة تأويلات سقيمة فاسدة وبثها بين المتلقين، وقد عالج القرآن هذا النوع من التشويش، من خلال القرآن نفسه بتكرار بعض المعاني والقصص والأحكام، واستعمال المحكم من الآيات في التشريع، مع تنوع في أساليب العرض وتنوع في استخدام الالفاظ، والاختصار والتوسعة، (هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ) (سورة آل عمران: ٧)، فالمحكم على القول الأشهر ما عرف المراد منه، إما بالظهور وإما بالتأويل، والمتشابه: ما استأثر الله بعلمه.

أو تكون المعالجة بالإرشاد الى مصادر التبيين الموثوق بها، وهم عادة المرسلون أو القائمون بالإعلام والتبليغ، مع تكليفهم ابتداء بتبيين معاني الرسالة للمتلقين، قال الله تعالى:  (وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (43) بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ (44)) (سورة النحل)، (وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ إِلَّا لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) (سورة النحل: ٦٤).

كما سبق القرآن في تشريع أحكام لردع الاعتداء على محتوى الرسالة، من أجل الحفاظ عليها، ولا ينحرف بها أصحابها عن مسارها السليم، الذي رسمه الله تعالى لعباده، ولذا رتب الله تعالى على هذا الاعتداء عقابا شديدا، قال تعالى:

(انْظُرْ كَيْفَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَكَفَى بِهِ إِثْمًا مُبِينًا) (سورة النساء: ٥٠)، ويقول عز وجل: (قُلْ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ (69) مَتَاعٌ فِي الدُّنْيَا ثُمَّ إِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ ثُمَّ نُذِيقُهُمُ الْعَذَابَ الشَّدِيدَ بِمَا كَانُوا يَكْفُرُونَ (70) (سورة يونس).

وأخيراً، فقد سبق القرآن في التنبيه على خطورة التشويش في تحريف الرسالة الإعلامية، وجعل من لوازم حفظها وحمايتها إزالة التشويش عنها، وتحذير القائمين بذلك من سوء عملهم، قال تعالى: (وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ (26) فَلَنُذِيقَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا عَذَابًا شَدِيدًا وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَسْوَأَ الَّذِي كَانُوا يَعْمَلُونَ (27)) (سورة فصلت)، وهذا من الإعجاز الإعلامي في بيان ظاهرة إعلامية، لم يتنبه إليها خبراء الإعلام إلا مؤخراً.

العدد السابع حماية المعلومات ، الملكية الفكرية ، القران الكريم ، الاعلام

مواضيع ذات صلة