العدد الأول مقالات

هل كورونا وباء طبيعي ؟ / مقالات

26/10/2020

د. وائل أحمد خليل صالح الكردي

هل (كورونا) وباء طبيعي؟ .. لماذا كان الاهتمام الشائع لدى وسائط اﻷخبار أكثر الشيء عن نسبة انتشار هذا الوباء وكيفية الوقاية منه وتدابير الإحاطة به والتعامل مع المصابين، وضربوا صفحاً عن مصادر المرض نفسه إلا بأسباب ضيقة ومباشرة مثل التغذي على بعض الحيوانات التي لا يجب أن يتغذى عليها الإنسان ؟! ولكن هذا لم يرد على السؤال، فالصينيون يأكلون هذه اﻷطعمة الغريبة وغيرها منذ أزمان بعيدة ولم تضرب فيهم اﻷوبئة مثلما ضربتهم (كورونا) في عامنا هذا ٢٠٢٠م ..

لقد ألف (آرثر لفجوي) كتاباً أسماه (سلسلة الوجود الكبرى) روج فيه لفكرة تزامن العوالم لدى بعض فلاسفة عصر النهضة في أوروبا حيث قالوا بأن العالم اﻷخروي (اﻵخرة) موجودة في نفس مكان وزمان هذا الكون الذي نعيش فيه حياتنا الدنيوية، وليس أن اﻵخرة تبدأ بعد أن تنتهي الدنيا بيوم القيامة، وأن الانتقال من الدنيا إلى اﻵخرة هو انتقال مرتبة وليس انتقال مكان وزمان، وأن ليس في اﻹمكان خلق كون جديد أبدع مما كان .. ومن هنا تبدأ الحكاية اﻷليمة.

لو رجعنا إلى الوراء لبضعة أعوام، وبالتحديد عند صدور رواية (الجحيم) لمؤلفها (دان براون) إذ لربما وجدنا فيها بعض مفاتيح السر .. تتحدث (الجحيم) عن فكرة أساسية هي محاولة إيجاد حل لمشكلة الإنفجار السكاني العالمي بالتخلي عن ثلث سكان العالم الحاليين في سبيل الحفاظ على الجنس البشري من الانقراض بواسطة فيروس معدل جينياً. ومفتاح فهم المعتقد وراء استخدام هذا الفيروس المعدل يكمن في (الكوميديا اﻷلهية) أسطورة (دانتي اليجيري) التي تعد من أبرز اﻵثار الإنسانية الخالدة في الآداب العالمية، حيث إن عالم الجحيم اﻷخروي بكل طبقاته حاضر معنا فهو قطعة من اﻷرض نفسها، وعلينا أن نمر به حتى نعبر إلى الفردوس .. وقد اتفقت آثار النثر اﻹنساني التي تناولت اﻵخرة على أن الجحيم معبرٌ ضروري لبلوغ الجنة، فإن لم يتخذ الإنسان تدابير العبور السليم سقط في الجحيم وبقي فيه ..

نحن نؤمن بأن أحوال اﻵخرة تحدث عقب القيامة (وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا) ولكن إيمان هؤلاء هو ما أتى بها إلى الدنيا، فلقد رسمت (أوديسا هوميروس) طريق (أوديسيوس) في رحلة عودته إلى وطنه ليمر حتماً بمملكة الموتى (هاديس) فلن يعرف وجهته إلا من العراف الميت هناك عندما يشرب من الدماء السوداء لكي يعود إلى حالة الوعي ثم يرشد (أوديسيوس) إلى مبتغاه، وفي الطريق تعترضه صعوبات وعوائق الجحيم .. وكوميديا (ارسطوفانيس) المسماة (الضفادع) أيضاً تحكي شيئاً بنحو ذلك الجحيم اﻷخروي الذي خاضه بطله (ديونيزيوس) في رحلة دنيوية .. وعلى الجانب الشرقي تتمثل فكرة الجحيم اﻷخروي الذي على اﻷرض 

في (جلجامش) الملحمة البابلية المشهورة، ثم في (رسالة الغفران) لمؤلفه العربي (المعري).. وهكذا نشأت فكرة (التطهير) في نقل حالة الجحيم اﻷخروي إلى العالم بوحي أساسي من هذه السرديات والملاحم بأن المرور بالجحيم أمر حتمي للوصول إلى الجنة، سواء في الآخرة أو على هذه اﻷرض التي نعيش عليها حياتنا الدنيا..

وأياً كانت نسبة الحقيقة إلى الخيال في هذه اﻷساطير إلا أنها ألهمت العديد من الحركات الداعية إلى (الخلاص) اﻹنساني بخروج الشرور عن العالم حتى ولو كان هذا الخروج بموت البشر أنفسهم .. إن فكرة (الخلاص) تمثل الهدف السامي لهذه اﻵداب وأن هذا الخلاص لن يكون إلا باجتياز معبر الجحيم وإسقاط قسماً من البشر في الهلاك ليستمر القسم اﻵخر في الحياة وتجديد الدماء البشرية وتجديد المجتمعات، ولقد اختلفت الشعارات واﻷساليب في ذلك ولكن ظل الهدف للخلاص واحداً، لذلك ظهرت منظمات وكيانات دعت لقيادة الناس نحو الخير بتحقيق نوع من اﻹبادة الجماعية لفئات من الناس يقدمون كضحايا لهذا الخلاص ومن أجل سعادة الجنس البشري والحفاظ على استمرار الحياة ومن أجل أن يفسح أهل الجحيم السبيل لمن سيخلدون في الجنة .. ولم يتوقف اﻷمر عند حد السرديات الروائية لمبدعين فرادى بل امتد ليصبح مادة غنية في صناعة السينما لعبت فيه السياسة دوراً خفياً على أوتار التطرف الديني والعصبية العرقية وما نحو ذلك، فظهرت سلسلة أفلام أنصاف الموتى الذين يمثلون عالم الجحيم على اﻷرض يخرجون من المقابر ليلاً فحسب من أجل أن ينالوا من اﻷحياء ويرسلون منهم إلى الجحيم كل من لم يجعله سوء حظه أن يدرك طلوع النهار .. وأكثر من ذلك، سلسلة الأفلام الأمريكية (ليلة التطهير) فعملية التطهير التي تدعو إليها هذه الأفلام شبيهة بعملية التطهير التي كانت تقام كل خريف في سبارطة القديمة، وهي أيضا صورة محددة الوقت من عمليات التطهير العرقي لمجازر ارتكبت ضد الأقلية المستهدفة مثل تلك التي تمت في البوسنة والهرسك ومذابح رواندا وغيرها، ولكن هذه المرة تكون عملية التطهير تحت شعار (خلق أمريكا جديدة) من خلال تنفيذ سيناريوهات الفوضى الناتجة عن غياب الدولة ومؤسساتها القادرة على بسط نفوذ القانون بل وتشجيع حكومة السيناتورات للعنف والاقتتال الداخلي بين الناس وفساد الجماعات المسلحة بحجة تنفيس الشعب المسالم في أصله عن مشاعر الشر السلبية الكامنة فيه فيتسبب ذلك أخيرا في قيام نظام جديد والتطهر من الماضي، وبرغم أن الحكومة في هذه الأفلام تسمح بالقتل غير المبرر والرعب وكل أشكال العنف والاعتداء يقوم بها حتى أشد الناس تدينا وداخل دور العبادة في 12 ساعة من منتصف الليل هي وقت التطهير من أجل أن تصبح الولايات المتحدة كما يقول الفيلم (أمة تولد من جديد) إلا أن الحقيقة في الواقع أن هذا الوقت ممتد حتى تحقق أمريكا مآربها المنشودة، لذلك فإن سلسلة أفلام التطهير (PURGE) تصور واقع ما فعله في العالم من فوضى المحافظين الجدد أو (الآباء الجدد) كما يطلق عليهم في هذه الأفلام، فليلة التطهير إذن هي ليلة الجحيم ..

والآن، والأرض تضج وتختنق بكثافة الساكنين عليها من البشر يهلكون الموارد وأسباب البقاء في الحياة وتزيد معدلات الفقر والبؤس في أكثر المجتمعات ويصبح الإنسان عبء على الطبيعة، هنا تنشأ الحروب التقنية باسم المصالح الاقتصادية وتزدهر منظمات صناعة الإبادة وتروج تجارة الهلاك حتى تخلو.

 

العدد الأول كورونا ، وباء ، مرض ، أمراض ، الحياة

مواضيع ذات صلة